اخر الاخبار

يمثّل ملف الاستيلاء على عقارات الدولة واحدا من أكثر مظاهر الفساد تعقيدًا في العراق، حيث استحوذت ولا تزال شخصيات واحزاب سياسية متنفذة واخرى نافذة على آلاف الممتلكات العامة بطرق غير قانونية، وسط غياب أية إجراءات حاسمة لاستردادها.

وعلى الرغم من المطالبات المتكررة باستعادة هذه العقارات، إلا أن البرلمان، الذي يفترض أن يكون السلطة الرقابية والتشريعية المسؤولة عن حماية المال العام، يقف عاجزًا عن اتخاذ أية خطوات فعلية، في ظل سيطرة جهات متنفذة مستفيدة من هذا الوضع، فيما يؤكد مختصون ان غياب الإرادة السياسية وارتباط الملف بتوازنات القوى النافذة يجعلان عملية الاسترجاع أقرب إلى المستحيل.

ما هو دور البرلمان؟

يقول عضو لجنة النزاهة النيابية هادي السلامي، أن جميع الحكومات المتعاقبة وحتى الحالية لم تحقق أي تقدم بملف عقارات الدولة، رغم التجاوزات الكبيرة من قبل أطراف سياسية متنفذة وفصائل مسلحة، على عقارات تقدر قيمتها بالمليارات".

وتابع السلامي في تصريح صحافي تابعته "طريق الشعب"، أن “سبب الإخفاق الحكومي بهذا الملف يعود إلى أن المتجاوزين على تلك العقارات هم جهات وشخصيات متنفذة. ولهذا يخشى الجميع من الاحتكاك بهم ومحاولة استرجاع العقارات التي استولوا عليها منذ سنين بشكل غير قانوني. ولهذا فإن حسم ملف كهذا يجب أن يكون بيد جهة قضائية مختصة حتى تكون بعيدة عن أية مجاملات أو ضغوطات سياسية”.

وأضاف، أن “مجلس النواب وعبر لجنة مختصة وكذلك باقي اللجان النيابية كشفت عن شبهات كبيرة في ملف عقارات الدولة، وقدمت هذا الأمر بالوثائق إلى الجهات ذات العلاقة والاختصاص، ونتابع معهم الإجراءات القانونية لإيقاف تلك التجاوزات وإرجاع تلك العقارات التي هي بالمليارات، لكن حتى اللحظة لا يوجد تقدم حقيقي بهذا الملف بسبب عدم وجود إرادة سياسية، بسبب الاستيلاء على تلك العقارات من قبل الجهات المتنفذة الحاكمة والمسيطرة على كامل المشهد الحكومي والسياسي”

غياب الإرادة السياسية

في هذا الصدد، أكد الاكاديمي والباحث في الشأن السياسي، د. غالب جواد أن استعادة عقارات الدولة المستولى عليها تمثل تحديًا كبيرًا يكاد يكون مستحيلًا في ظل الأوضاع الحالية.

وقال أن "هذه العقارات تنقسم إلى عدة أنواع بحسب الجهة التي استولت عليها"، مشيرًا إلى أن بعضها "خضع لسيطرة جهات متنفذة ومافيات سياسية وحزبية، حيث جرت عمليات استملاك بطرق احتيالية معقدة، أدت إلى نقل ملكيتها إلى شخصيات أو جهات سياسية، ما يجعل استرجاعها أمرًا بالغ التعقيد".

وأضاف جواد في حديثه لـ "طريق الشعب"، أن بعض العقارات جرى تأجيرها بمبالغ زهيدة ولمدد تصل إلى 26 عامًا، وهو ما يجعل استردادها بحكم المنتهي، وقد يتم تمليكها بشكل رسمي خلال السنوات الخمس المقبلة".

وزاد على حديثه بالقول ان هناك "عقارات تم تزوير مستندات ملكيتها، لا سيما أملاك اليهود والمسيحيين، في حين أن عقارات أخرى لم تُزوَّر لكنها تعرضت للاستيلاء، من قبل جهات متنفذة مدعومة بالمال والسلاح، خصوصًا العقارات المتروكة التي هاجر أو تم تهجير أصحابها خلال اضطرابات عامي 2006 و2007".

وكشف جواد عن أن العدد الإجمالي لعقارات الدولة المستولى عليها يبلغ نحو 111 ألف عقار، بينما لم يتم استرداد سوى 11 ألفًا منها، في حين أن البقية لا تزال قيد التحقيق.

وفيما يتعلق بدور الادعاء العام، أشار إلى أن "القضية معقدة بشكل يجعل تدخله أمرًا صعبًا، حيث تتطلب معالجات تتجاوز صلاحياته".

واختتم بالقول: “بدون إرادة سياسية فاعلة ومنصفة، لن تعود هذه العقارات إلى الدولة أو إلى أصحابها الشرعيين”.

لا تملك الجرأة

من جهته، قال الخبير القانوني أمير الدعمي أن ملف الاستيلاء على عقارات الدولة ما زال مستمرًا منذ عام 2003 وحتى اليوم، مبينا أن المفارقة تكمن في أن الجهات التي تطالب باسترداد هذه العقارات هي ذاتها التي تستولي عليها وتستغلها لصالحها.

وأوضح أن هذا الملف "أصبح مجرد مادة للاستهلاك الإعلامي والدعاية الانتخابية، حيث أن معظم العقارات المستولى عليها تقع تحت سيطرة شخصيات سياسية بارزة وأحزاب متنفذة في غرف صناعة القرار، ما يجعل استعادتها أمرًا صعباً.

وذكر الدعمي في حديث لـ"طريق الشعب"، أن "المشكلة لا تقتصر على العقارات فقط، بل تشمل أموالًا ضخمة يمكن أن تساهم في رفد خزينة الدولة إذا ما جرى استثمارها بشكل صحيح، كتحويل بعض القصور والعقارات إلى متاحف أو مؤسسات عامة. غير أن الفساد المقنن يفتح بابًا آخر، حيث تُؤجَّر القصور الفخمة بأسعار رمزية، ما يُبخس حق الدولة".

وأشار الخبير القانوني إلى أن "البرلمان عاجز عن التصدي لهذا الملف، لأن من يقوده هم زعامات سياسية تستفيد من هذه العقارات أو تستولي عليها، الأمر الذي يجعل أي محاولة لاستعادتها شبه مستحيلة".

وفيما يتعلق بدور القضاء، أوضح الدعمي أن "الملف في جوهره حكومي وليس قضائيًا،  وإذا كانت هناك جهة متضررة من استيلاء شخصية سياسية على عقار معين، فيمكنها اللجوء إلى القضاء".

وتابع أن "رئيس الوزراء بإمكانه إصدار قرار بإعادة العقارات التي تستولي عليها الأحزاب والسياسيون إلى الدولة، وفي حال رفضت الجهات المستفيدة، يمكن للحكومة اللجوء إلى القضاء لاستصدار أحكام تُلزم المستولين بإخلائها".

وشدد الدعمي على أن "الحكومة هي الطرف المسؤول عن هذا الملف"، متسائلًا عن سبب "غياب دورها في المطالبة بحقوقها، خاصة أن الادعاء العام لا يمكنه تحريك الشكوى إلا بطلب من الجهة المتضررة، أي الحكومة نفسها؟". 

وأكد أن "غياب القرار السياسي والجرأة في اتخاذه يعود إلى تشابك المصالح بين الحكومة والأحزاب، إذ أن الحكومة الحالية نشأت من رحم هذه الأحزاب، وبالتالي لا يمكنها اتخاذ قرارات تزعج القوى السياسية النافذة".

واختتم الدعمي تصريحه بالتأكيد على أن "استرداد عقارات الدولة مرهون بالتوافقات السياسية، حيث تتحكم القوى المتنفذة في مصيرها"، معتبرًا أن أي حكومة "لا تملك الجرأة لمواجهة هذه الأحزاب، ما يجعل عملية استرجاعها أمرًا مستبعدًا".

إجراءات حكومية

من جهتها، أعلنت وزارة العدل، تشكيل لجنة تتابع تنفيذ قانون رقم 3 لسنة 2025 الخاص بإعادة العقارات الى أصحابها، فيما أشارت الى أن تنفيذ القانون يتطلب 6 أشهر.

وقال المتحدث باسم وزارة العدل أحمد لعيبي للوكالة الرسمية إن "اللجنة بحثت تنفيذ قانون رقم 3 لسنة 2025، الخاص بإلغاء قانون مجلس قيادة الثورة المنحل، وإعادة العقارات الى أصحابها، وأكدت الحاجة الى إصدار تعليمات لتنفيذ القانون خلال فترة 6 أشهر"، لافتاً الى أن "اللجنة برئاسة الوكيل الأقدم لوزارة العدل زياد التميمي، وتضم في عضويتها ديوان الرقابة المالية، الأمانة العامة لمجلس الوزراء، ووزارة الزراعة".

أما بخصوص معالجة قرار مجلس الوزراء رقم 29 لسنة 2012، فقد أوضح المتحدث باسم وزارة العدل أن "الاجراءات لتنفيذ القرار لم تستكمل بعد، ورفعت توصية الى رئيس الوزراء لتشكيل لجنة برئاسة مدير عام دائرة الأراضي الزراعية في وزارة الزراعة، لغرض دراسة ظروف كل حالة، والسماح للمواطنين بمزاولة نشاطهم الزراعي في حال عدم وجود مانع قانوني يحول دون ذلك".

وأشار الى أن "اللجنة رفعت توصية الى رئيس الوزراء بالإيعاز الى قيادة عمليات كركوك بإزالة التجاوزات عن العقارات التي ليس عليها نزاع قانوني، لغرض السماح لأصحابها بمزاولة نشاطهم وفق القانون".

وتابع أن "اللجنة أوصت أيضاً، بالإيعاز الى عمليات كركوك وديوان المحافظة ورؤساء الوحدات الإدارية، بتشكيل فرق لزيارة المناطق المشمولة وتوعية المزارعين بأن صدور تعليمات تنفيذ القانون رقم 3 لسنة 2025، سيكون كفيلاً بحل جميع الإشكاليات التي عانوا جراءها لسنوات طويلة".