يعيش أهالي منطقة السياحي في "قرية الدولاب" بمحافظة بابل، حالة من القلق والرعب والتساؤل بعد إعلان الجهات الاختصاصية وجود مستويات إشعاع عالية في منازلهم. فيما يؤكدون أن الواقع مختلف تماماً، إذ لم تُسجل أي إصابات أو أعراض مرضية بينهم، ولا حتى بين حيواناتهم ونباتاتهم.
وفي العام الماضي اعتبرت الجهات الحكومية منطقة الدولاب، بأنها تعاني "تلوث إشعاعي" أدى إلى ظهور أمراض يُعتقد ارتباطها بالإشعاع، مثل السرطان وضعف المناعة. وقد دفعت هذه الأزمة بالحكومة إلى اتخاذ إجراءات عاجلة بشأن تواجد الأهالي في المنطقة، ما أدى إلى إخلائها من السكان منذ ذاك الوقت وسط تأكيد الحكومة العمل على إزالة المخلفات الملوثة.
وكان مستشار رئيس الوزراء لشؤون الصحة صالح ضمد، قد كشف العام الماضي عن احصائية رسمية حول عدد المرضى المصابين بالسرطان في البلاد، مؤكداً أنها بلغت 39 ألف مريض مشخص ومسجل في سجلات الصحة.
فيما أشار إلى أن أغلب الحالات المشخصة هي سرطانات الثدي والرئة والقولون.
قرار الإخلاء يُضاعف المعاناة
المواطن أبو آيات الرفيعي، وهو من سكان منطقة الدولاب، يقول في حديث صحفي أن "الجهات المتخصصة زارت المنطقة قبل نحو عام وأربعة شهور، وأفادت بأن منازلنا تحتوي على أعلى نسبة إشعاع (سيزيوم) مسجلة في العراق، إلا أن السكان يؤكدون أن حياتهم لم تتأثر، ولم تظهر أي علامات تلوث إشعاعي".
ويضيف قوله أن "الجهات الحكومية تقول ان المنازل ملوّثة، لكن لا أحد يشعر بأي شيء، لم يمرض أحد، جميع الأطفال بصحة جيدة"، مؤكداً "عدم وجود أي دليل على الضرر الذي يدّعون وجوده"!
غياب الشفافية
ويشكو الأهالي من عدم الشفافية في التعامل مع قضيتهم. ويؤكد عدد منهم عبر وسائل إعلام، أن الجهات المعنية أخذت عينات من شعرهم وأظافرهم وملابسهم، كذلك من التربة والنباتات والحيوانات، لكنها لم تصدر أي نتائج رسمية حتى الآن، ما يثير الشكوك حول مدى صحة الادعاءات بوجود إشعاع خطير!
ويتساءل الأهالي: "لماذا يخفون نتائج التحاليل؟ إذا كان هناك خطر حقيقي، فلماذا لم يُصب أحد طوال هذه الفترة؟ وإن لم يكن هناك خطر، فلماذا طُردنا من بيوتنا؟!".
وكان مدير عام مركز الوقاية من الإشعاع في وزارة البيئة، صباح الحسيني، قد أشار إلى أن هناك 59 موقعاً في البلاد ملوثة بالإشعاع النووي، أزيل عنها التلوث وبقيت 10 مواقع فقط، مبينا أن المساحة الكلية للعراق تبلغ 438,218 كيلومترا مربعا، وانه لا توجد مساحات واسعة ملوثة بالإشعاع.
وجاءت هذا التصريح عقب الحديث عن اكتشاف رقعة ملوثة نوويا في "قرية الدولاب"، وسط تأكيدات تفيد بأن التلوث ناجم عن تحطم كبسولات نووية كانت مخلوطة مع سكراب يعتقد أنه مسروق من منشآت عسكرية تابعة للنظام المباد.
الأهالي يناشدون رئيس الوزراء
وسبق أن وجّه الأهالي مناشدة عاجلة إلى رئيس الوزراء محمد شياع السوداني، مطالبين فيها بـ" "تشكيل لجنة تحقيق مستقلة لكشف حقيقة الإشعاع المزعوم وأسباب التأخر في معالجة القضية، والإعلان الفوري عن نتائج الفحوصات البيئية والصحية، وإثبات وجود الإشعاع من عدمه".
كما طالبوا بـ "إعادة العائلات إلى منازلها إن لم يكن هناك خطر حقيقي، أو تقديم تعويضات وسكن بديل فورًا إن ثبت وجود ضرر"، مشددين على أهمية "الإسراع في تنفيذ إجراءات التطهير الحقيقية بدلًا من ترك المنطقة مهجورة وسط تضارب المعلومات".
وأشاروا إلى أن "جميع الأهالي يريدون إجابات واضحة، مع حلول سريعة"، مؤكدين انهم لن يقبلوا بالاستمرار في هذه المعاناة دون تحرك حكومي جاد.
ويعد العراق من بين أكثر الدول تلوثاً بالإشعاعات النووية والكيمياوية، وفقاً لبيانات دولية سابقة أكدت أن سبب ذلك التلوث يعود لكثرة الحروب التي خاضتها البلاد طوال العقود الأربعة الماضية، والتي استخدمت فيها أسلحة وذخائر مشعة ومحظورة دولياً.