يتبادل طلبة وتلاميذ في مختلف مدارس بغداد والمحافظات، عبارات سخرية واستهزاء وتنمر في ما بينهم. ولا يقتصر الأمر على التلاميذ فقط، إنما يتعدى إلى الأساتذة، الذين يقومون أيضا بإطلاق عبارات التنمر على تلاميذهم بشكل مباشر، أو من خلال إلقاء الدروس بطريقة تهكمية تُضعف المشاركة والتفاعل اثناء الدرس.
وتكمن خطورة هذه الظاهرة في ترك أعداد من التلاميذ مقاعد الدراسة. بينما دفع التنمر بالبعض إلى الانتحار!
ويرى مراقبون أن شيوع هذه الظاهرة يعود إلى انتشار المقاطع الساخرة على نطاق واسع في مواقع التواصل الاجتماعي، وإلى ضعف الضوابط الأسرية والتربوية التي تحفز الطلبة على تجنب استخدام مفردات غير لائقة بحق زملائهم وأساتذتهم. فيما يساهم غياب القوانين الرادعة في تفاقم تلك الظاهرة وانتشارها في العديد من المدارس الابتدائية والمتوسطة والاعدادية بشكل لم يكن مألوفاً سابقاً.
ويعد تسلط الأقران في المدارس نوعاً من أنواع التنمر الذي يحدث في البيئات التعليمية، والذي يشتمل على العدائية والمضايقة والاستفزاز، وهو أمر تترتب عليه تأثيرات واسعة على الطلبة، منها الغضب والاكتئاب والتوتر او الاصابة باضطرابات اجتماعية مختلفة وصولا إلى الانتحار.
وحددت منظمة اليونسكو يوم 7 تشرين الثاني من كل عام، يوماً دولياً لمكافحة العنف والتنمر في المدارس، بما في ذلك التنمر الإلكتروني. وأوصت بتكثيف الجهود لحماية الطلبة من جميع أشكال العنف الجسدي واللفظي والنفسي، الذي يهدد بيئتهم التعليمية ويؤثر على صحتهم النفسية، مشددة في تقرير لها على ضرورة تعزيز حماية الطلبة من ظاهرة التنمر.
قصص مأساوية
تنقل وكالات أنباء وصفحات على مواقع التواصل الاجتماعي، قصصا مأساوية لحالات تنمر في بغداد والمحافظات، ومنها قبل فترة في مدينة بسماية. حيث كان الكادر التدريسي في إحدى المدارس يتنمر على احد التلاميذ. فحاولت والدته حمايته من خلال عمل انتساب له ليدرس من البيت بدل الذهاب الى المدرسة، لكن التلميذ ترك الدراسة وأصبح عنيفاً وعدوانياً.
وثمة حالة أخرى لطالب عاجز عن المشي بشكل طبيعي، قام بشنق نفسه بسبب تنمر زملاء الدراسة عليه.
وتعرضت فتاة متفوقة في الرابع الاعدادي إلى التنمر، ما جعلها تفقد الثقة في نفسها. فلجأت الى عمل تنسيب، وحين سألتها الباحثة عن السبب أجابت بأنها لا تستطيع مواجهة المجتمع أو الدوام في المدرسة، لإحساسها بأن الطالبات والمدرسين ينظرون لها نظرة دونية.
من جانبها، تقول كريمة علي، والدة تلميذ في إحدى مدارس بغداد الجديدة، ان ولدها تعرض للتنمر في مدرسته من قبل أقرانه، فلجأت إلى تقديم شكوى إلى إدارة مدرسته، لكن دون جدوى "لأن زملاءه يتنمرون عليه داخل الصف وأحياناً يتربصون به عند انتهاء الدوام".
وتشير في حديث صحفي إلى أن "ولدي البالغ من العمر 14 عاماً ترك مدرسته عاماً واحداً بسبب الضغط الذي يتعرض له من زملائه في المدرسة، وتم نقله إلى مدرسة أخرى مع بدء العام الدراسي للتخلص من التنمر، لكن حالته النفسية ما زالت غير طبيعية. اذ غالباً ما يفقد التركيز ويصاب بالذهول".
ومثل هذا الصبي توجد أعداد كبيرة في المدارس وقعت تحت تأثير التنمر وأصيبت بخيبات وأمراض مختلفة.
لا يمكن السيطرة على الظاهرة
حسن جبار حسن، وهو مدير مدرسة في منطقة الحرية ببغداد، يلفت إلى انه "لا يمكن إيقاف التنمر بين الطلبة والتلاميذ أو السيطرة على هذه الظاهرة"، مؤكدا في حديث صحفي عدم وجود ضوابط رسمية تسمح لإدارات المدارس باتخاذ إجراءات مناسبة إزاء التنمر.
ويوضح أن "إدارة المدرسة ليس في وسعها سوى عقد اجتماعات مع أولياء أمور الطلبة المتنمرين، ومطالبتهم بالتعاون معها في منع أبنائهم من التنمر على أقرانهم"، مضيفا القول: "قد تلجأ الإدارة أيضاً إلى توجيه إنذارات بالفصل للطلبة المتنمرين، وتحاول بشتى الوسائل مساعدة الطلبة المتنمر عليهم "إلا أن مثل هذه الحلول عاجزة عن إيقاف الظاهرة".
عشرات الشكاوى يوميا
ترد وزارة التربية بشكل يومي عشرات الشكاوى بهذا الشأن، من مدارس في الكرخ والرصافة، فضلا عن بقية المحافظات. في حين لا تجد الوزارة قوانين مناسبة للتعامل مع هذه الظاهرة الغريبة الطارئة.
في هذا السياق، يقول المتحدث باسم الوزارة كريم السيد، أن "الوزارة تولي اهتماما كبيرا لظاهرة التنمر في جميع مدارس العراق"، مشيرا في حديث صحفي إلى ان "هذا الموضوع من أهم المواضيع التي تشغل الوزارة. حيث يتم سنويا توجيه توصيات بمراعاة حسن التعامل في المدارس ومراعاة الجوانب الاعتبارية بين الطلبة والمعلمين والمدرسين وبالعكس".
ويلفت السيد إلى أن "الوزارة تشدد على مراعاة الطلبة من ذوي الاحتياجات الخاصة عبر كتب رسمية توجه إلى إدارات المدارس، فضلا عن تعزيز دور الإشراف التربوي في متابعة هذه الحالات خلال الزيارات الميدانية للمشرفين".
ويؤكد أن "وظيفة الإرشاد التربوي وظيفة اجتماعية داخل المدارس تهدف إلى التعرف على مشكلات الطلبة والعمل على حلها، وأن الوزارة تعمل بشكل دائم على معالجة هذا الملف بمختلف الأدوات والوسائل بغية القضاء أو الحد من جميع الحالات التي من شأنها أن تصيب الطلبة أو الأساتذة بالضرر والقلق و تعرّضهم لضغوط نفسية".
التنشئة الخاطئة
إلى ذلك، يوضح د. علي محسن ياس العامري، رئيس قسم الإرشاد النفسي والتوجيه التربوي في كلية التربية الأساسية في الجامعة المستنصرية، أن حالات التنمر بين التلاميذ تحدث بسبب الضغط النفسي الشديد الذي يعانيه التلميذ المتنمر، ونتيجة لأساليب التنشئة الأسرية القائمة على العنف الجسدي أو النفسي، ما يدفع التلميذ إلى تفريغ الشحنات الانفعالية في المدرسة واستخدام العنف ضد زملائه.
ويضيف قوله أن الأساليب القمعية والتسلطية التي يتبعها بعض المعلمين داخل قاعة الدرس، تؤدي إلى نفور الطلبة وعدم استيعابهم المادة الدراسية وصولا إلى كره المعلم والمدرسة وتفريغ الشحنات الانفعالية والغضب على زملائهم.
ويشير العامري إلى انه "في بعض المدارس يصل عدد التلاميذ إلى ألف طالب، وفي الصف الواحد نحو 80 تلميذا، يرافق ذلك استخدام طرائق التدريس القديمة والأساليب المتذبذبة بين الشدة المفرطة والتجاهل، وهو ما يدفع بعض التلاميذ إلى التذمر واستخدام التنمر ضد زملائهم أو الهروب من المدرسة".
ويشدد على "ضرورة تنظيم دورات تدريبية لتطوير مهارات المعلمين الجدد في أحدث أساليب وطرائق التدريس، وتعليمهم أساليب الحوار والتعليم التعاوني والتعليم المدمج وطريقة العصف الذهني وغيرها من الطرق التي تؤدي إلى تفاعل الطلبة داخل الصف وتشغلهم عن الأمور الأخرى".