شهدت بغداد أول أمس الجمعة، أمطارا غزيرة تسببت في غرق العديد من شوارعها الرئيسة وأحيائها، ما أثار استياء المواطنين وشكوكهم في جاهزية أمانة بغداد في التعامل مع مثل هذه الحالات، وهي التي أفادت قبل الشتاء باستعداداتها التامة لمواجهة موسم الأمطار.. تلك المقولة التي تتكرر سنويا، ويتكرر معها الغرق!
وعبر العديد من سكان بغداد عن استيائهم من تكرار مشهد غرق الشوارع مع كل موجة أمطار، مشيرين إلى أن "ذلك يؤشر ضعف البنية التحتية ونقص الاستعدادات اللازمة".
وأصبح غرق الشوارع، والمنازل أيضا، ظاهرة سنوية لا تشهدها بغداد فقط، بل جميع المحافظات. فمع أبسط زخة مطر تغص الشوارع بالمياه، ما يشل حركة الناس، ويضطر الحكومات المحلية إلى إعلان عطلة رسمية للدوائر والمدارس.
نفق الجسر المعلّق تحوّل إلى مسبح!
منطقة الكرادة، التي شهدت تنفيذ مشاريع بنى تحتية عديدة خلال السنتين الأخيرتين، اختفت شوارعها تحت مياه الأمطار – حسب ما أظهرته مقاطع فيديو عديدة نُشرت على وسائل التواصل.
وتعطلت حركة السير في المنطقة بشكل تام، في حين ظهر ضباط مرور وهم يحاولون إنقاذ المركبات العالقة في المياه، ومنها في نفق الجسر المعلق في الكرادة داخل، الذي ارتفعت فيه مناسيب المياه بشكل كبير، وتحوّل إلى ما يشبه المسبح!
وعبر مواقع التواصل الاجتماعي، انتقد مواطنون أداء الجهات المعنية، متسائلين عن جدوى "التصريحات الرسمية حول الاستعدادات المسبقة لموسم الأمطار".
وأشار بعضهم إلى أن "هذه المشكلات تتكرر سنويًا دون حلول جذرية، ما يزيد من معاناتهم ويعطل حياتهم اليومية".
أما في كرادة مريم، لا سيما أمام بوابة القصر الجمهوري الرئيسة، فقد ارتفعت مناسيب المياه بشكل كبير، ما جعل حركة المرور شبه مستحيلة.
جاهزية أمانة العاصمة
قبل أيام، أعلنت أمانة بغداد عن جاهزيتها لمواجهة موجة الأمطار المتوقعة. حيث وجه أمين العاصمة عمار موسى "جميع الدوائر والتشكيلات بالاستعداد والدخول في حالة الإنذار القصوى".
في حين أكدت الأمانة أنها "قامت بتصفير جميع خطوط ومحطات التصريف، ونفذت خطة طوارئ استباقية قبل هطول الأمطار".
أما بعد المطر الغزير، فقد أفادت الأمانة بتطبيق خطة الطوارئ واستنفار كوادرها للسيطرة على تجمعات المياه، مشيرة إلى أن "الطاقة الاستيعابية لمحطات التصريف تبلغ 28 ملم، إلا أن شدة الأمطار الحالية فاقت هذا المعدل".
ورغم تصريحات أمانة بغداد حول جاهزيتها واستعداداتها المسبقة، إلا أن الواقع على الأرض أظهر عكس ذلك. حيث غمرت المياه العديد من الشوارع والأحياء، حتى في الأحياء التي يُطلق عليها "راقية"، ما أدى إلى تعطيل حركة المرور وتضرر ممتلكات المواطنين.
هذا التناقض بين التصريحات الرسمية والواقع الميداني أثار استياء المواطنين وزاد من فقدان الثقة في الجهات المعنية.
مطالبات بإجراءات جادة
وطالب مواطنون امانة بغداد بـ "اتخاذ إجراءات جادة وفعّالة لمشكلة الغرق المتكررة، وفي مقدمة ذلك تطوير شبكات تصريف المياه، لضمان عدم تكرار هذه المشكلة مع كل موسم أمطار".
ودعوا إلى "وضع خطط استراتيجية طويلة الأمد لمعالجة الأسباب الجذرية لهذه الظاهرة، وتخصيص الميزانيات اللازمة لتنفيذها، بهدف حماية ممتلكاتهم وضمان سلامتهم".
وللمحافظات نصيب من الغرق!
لم تتوقف أزمة الغرق على بغداد، إنما شملت جميع المحافظات التي طالتها الموجة المطرية، في مشهد يتكرر سنويا دون إجراء فاعل جذري.
وأظهرت صور ومقاطع فيديو نشرتها وكالات أنباء ومدونون على مواقع التواصل، شوارع عديدة في مركز مدينة كربلاء، ساوتها مياه الأمطار بالأرصفة. في حين تحوّل بعض الأزقة في الأحياء السكنية، إلى طرق طينية، بسبب عدم تبليطها.
أما في محافظة بابل، لا سيما في مدينة الحلة، فقد غرقت الشوارع الرئيسة وشُلت حركة المرور، فيما تحوّلت الأحياء السكنية غير المخدومة، وهي كثيرة في بابل، إلى مناطق موحلة.
وفي مدينتي النجف والديوانية، لم تُغرق المياه شوارع رئيسة وفرعية فقط، إنما دخلت بعض منازل المواطنين في الأحياء السكنية غير المخدومة. حيث أظهرت صور نشرتها وكالات أنباء، حجم الأضرار التي لحقت بمنازل الناس وممتلكاتهم.
في حين شهدت محافظة المثنى أمطارا غزيرة، الأمر الذي استدعى من فريق المتابعة الطارئ، دعوة المواطنين إلى تقليل الحركة خارج المنازل، إلا للضرورة القصوى، نظرا لارتفاع مستويات المياه في الشوارع.
مدينة الناصرية لم تسلم هي الأخرى من الغرق، بفعل تردي بناها التحتية. وحسب ما نقلته وكالات أنباء، فإن أحياء السبل والكرامة والحكيم، غرقت، ودخلت المياه إلى منازل المواطنين.
استياء واسع في مدن الأنبار
محافظة الأنبار شهدت أيضا موجة مطرية غزيرة استمرت ساعات، ما أدى إلى غرق العديد من الشوارع والمناطق السكنية، وتعطل الحركة في بعض الأحياء، وسط استياء واسع بين المواطنين بسبب تدهور البنية التحتية وضعف الاستعدادات للموسم المطري.
وزادت موجة الغضب بعد تصريحات بعض المسؤولين المحليين، الذين قللوا من حجم المشكلة وألقوا باللوم على الظروف الجوية بدلاً من الاعتراف بوجود تقصير إداري وخدمي.
ومع بدء هطول الأمطار غمرت المياه العديد من المناطق في الرمادي والفلوجة وهيت وحديثة. حيث شُوهدت الشوارع الرئيسة وقد تحولت إلى بحيرات، ودخلت المياه إلى منازل بعض المواطنين، ما خلّف خسائر مادية كبيرة.
كما تضررت المحال التجارية، واضطر الأهالي إلى استخدام مضخات يدوية وأدوات بسيطة لسحب المياه من منازلهم بسبب غياب التدخل السريع من الجهات المعنية.
في حديث صحفي يقول المواطن أحمد الدليمي، وهو من سكان الرمادي: "كل عام نسمع نفس الأعذار من المسؤولين، لكن الواقع لم يتغير"، متسائلا: "أين هي مشاريع تصريف المياه التي وعدونا بها؟ لماذا نجد أنفسنا محاصرين بالمياه بعد ساعات من المطر؟".
في حين عبّرت أم علي، من الفلوجة، عن استيائها قائلة: "تعبنا من سماع وعود لا تُنفذ. نحن ندفع الضرائب والفواتير، لكن عند الحاجة لا نجد من يقف معنا"، متسائلة: "أين فرق الطوارئ؟ لماذا لم تكن هناك استعدادات مسبقة لهذه الأمطار؟".
وبدلاً من تقديم حلول عاجلة أو الاعتراف بوجود خلل في البنية التحتية، خرج بعض المسؤولين في الأنبار بتصريحات أثارت غضب الشارع. حيث وصف أحد المسؤولين في دائرة البلدية الوضع بأنه أمر طبيعي يحدث في أي مدينة عند هطول أمطار غزيرة.
كما أشار مسؤول آخر إلى أن "كمية الأمطار كانت أكبر من المتوقع، ولا يمكن تحميل الدوائر الخدمية المسؤولية بالكامل".
هذه التصريحات اعتبرها كثيرون محاولة للتنصل من المسؤولية، خاصة أن مشكلة غرق الشوارع تتكرر سنويًا دون أي حلول جذرية.
الحكومة تبرر فشلها!
من جانبه، يقول الناشط المدني سعد الراوي أنه "بدلاً من الاعتذار للناس والبحث عن حلول، نجد بعض المسؤولين يحاولون تبرير الفشل.. إلى متى تستمر هذه العقلية؟ لماذا لا تكون هناك محاسبة للمقصرين؟". وتعاني مدن الأنبار، رغم المشاريع التي أُعلن عنها في السنوات الماضية، غياب شبكات صرف صحي متطورة وضعف في تصريف مياه الأمطار. حيث تعتمد مناطق عديدة على أنظمة تصريف قديمة لم تُحدّث منذ عقود.
الأمطار غير مسؤولة!
المهندس الاختصاصي في البنية التحتية خالد العبيدي، يقول في حديث صحفي أنه "لا يمكن تحميل الأمطار المسؤولية، بل الإدارات التي لم تستثمر في مشاريع تصريف المياه الحديثة"، مشيرا إلى ان "المدن التي تمتلك شبكات تصريف جيدة لا تعاني هذه المشكلات، لكن في الأنبار، نعتمد على بنية تحتية متهالكة لا تواكب الكثافة السكانية المتزايدة".
هذا وطالب مواطنون وناشطون في الأنبار بـ"فتح تحقيق في أسباب تردي الخدمات ومحاسبة المسؤولين عن سوء التخطيط والإهمال في مشاريع البنية التحتية"، داعين إلى "تشكيل لجان مستقلة لمراقبة تنفيذ المشاريع وتقييم أداء الدوائر الخدمية".
وتُظهر أزمة الغرق المتكررة عمق الفجوة بين المواطنين والمسؤولين المحليين. إذ لم تعد التصريحات المطمئنة أو التبريرات التقليدية تُقنع الشارع الغاضب.
ومع تزايد الدعوات للمحاسبة والإصلاح، تبقى التساؤلات مطروحة: هل ستتحرك الجهات المعنية لإيجاد حلول جذرية، أم أن سيناريو غرق المدن سيتكرر في كل موسم مطري؟
ويبقى التحدي الأكبر أمام الجهات المعنية هو تحويل التصريحات والوعود إلى أفعال ملموسة على أرض الواقع، والعمل بجدية على تحسين الخدمات الأساسية للمواطنين، لضمان عدم تكرار مشاهد الغرق والفيضانات في المستقبل.