تزايدت حالات الابتزاز الإلكتروني في العراق بشكل ملحوظ، وأصبحت يشكل تهديدًا خطيرًا للأفراد والشركات على حد سواء، حيث يعمد المجرمون في هذه الجرائم الى تهديد الضحايا بنشر معلومات أو صور خاصة بهدف الحصول على مكاسب مالية أو إجبارهم على تصرفات غير قانونية، مستخدمين تقنيات متطورة مثل الاختراق والتصيد الاحتيالي والهندسة الاجتماعية ما يجعل من الصعب على الضحايا الهرب من هذه المواقف.
تشديد تطبيق القوانين
وفي ظل ارتفاع هذه الاختراقات يشير مراقبون الى أهمية الوقاية من خلال زيادة الوعي الأمني وتطبيق القوانين.
ويؤكد الخبير في الأمن السيبراني حسين يعقوب السعيدي أن "الابتزاز الإلكتروني لم يعد مجرد تهديد عابر، بل تحول إلى سلاح خطير يستخدمه المجرمون لإخضاع الأفراد والشركات دون الحاجة إلى مواجهات مباشرة".
ويشير إلى أن هذه الظاهرة أصبحت أكثر تعقيدًا، حيث يجلس المبتز في زاوية مظلمة خلف شاشة، بينما يجد الضحية نفسه محاصرًا بالخوف والإحراج والشعور بالعجز.
ويوضح السعيدي أن الابتزاز الإلكتروني لا يقتصر على مجرد التهديد بنشر معلومات حساسة، بل هو استراتيجية نفسية وتقنية معقدة، حيث يُدفع الضحية إلى الاعتقاد بأن الاستجابة للمبتز هي الخيار الوحيد. ويحدث ذلك بطرق متعددة مثل الاختراق المباشر من خلال استغلال ثغرات أمنية في الأجهزة والبرمجيات، إضافة إلى التصيد الاحتيالي الذي يُخدع فيه الضحية لتقديم بياناته بنفسه دون إدراك العواقب، فضلًا عن الهندسة الاجتماعية التي تعتمد على استغلال العلاقات والثقة للحصول على معلومات حساسة.
ويشير إلى أن التطور التكنولوجي السريع لم يمنح البشرية فقط وسائل تواصل حديثة، بل مكّن أيضًا المجرمين من أدوات غير مسبوقة للاحتيال والسيطرة.
ويرى أن هناك عدة عوامل ساهمت في انتشار هذه الجريمة، أبرزها ضعف الوعي الأمني حيث يجهل الكثير من المستخدمين أبسط مبادئ حماية بياناتهم، وسهولة الوصول إلى أدوات الاختراق، إذ لم يعد المجرم بحاجة إلى أن يكون خبيرًا تقنيًا، بل يمكنه شراء الأدوات الجاهزة من الإنترنت المظلم. كما أن غياب القوانين الرادعة في بعض الدول يسمح للمبتزين بالعمل بحرية دون خوف من الملاحقة، إلى جانب التأثير النفسي القوي للابتزاز الذي يدفع الضحية للاستسلام بدلاً من المواجهة بسبب الخوف والعار.
ويوضح، أن الابتزاز ليس مجرد جريمة بل يتخذ أشكالًا مختلفة بحسب الهدف من ورائه، فمنه الابتزاز الشخصي الذي يستهدف الأفراد عبر صور أو معلومات حساسة، والابتزاز الاقتصادي الذي يهدد الشركات للحصول على أموال أو بيانات سرية، إضافة إلى الابتزاز السياسي أو الأمني الذي يُستخدم للضغط على شخصيات سياسية أو أمنية لكسب النفوذ أو المعلومات، وكذلك الابتزاز العاطفي الذي يعتمد على بناء علاقات وهمية مع الضحية قبل تحويلها إلى فخ للضغط والتهديد.
وفيما يتعلق بالمبتزين، يوضح السعيدي أنهم ليسوا جميعًا بنفس الدافع أو المستوى، فهناك المبتز الهاوي الذي يستخدم أدوات بسيطة لكنه يسبب أضرارًا كبيرة بسبب قلة خبرته، والمبتز المحترف الذي يمتلك خبرة واسعة في القرصنة والهندسة الاجتماعية ويعمل وفق منهجية دقيقة، بالإضافة إلى المجرم السيبراني المؤسسي الذي يعمل ضمن شبكات إجرامية منظمة تستهدف الضحايا بشكل موسع، والمبتز النفسي الذي لا يسعى فقط وراء المال بل يستمتع بالسيطرة على الضحية وإذلالها.
ويؤكد السعيدي أن "مواجهة الابتزاز الإلكتروني تبدأ بالوقاية"، مشددًا على أهمية عدم مشاركة أي معلومات حساسة عبر الإنترنت لأن المجرمين يستغلون أدق التفاصيل للإيقاع بالضحايا، كما أن استخدام كلمات مرور قوية وفريدة يقلل من فرص الاختراق، بالإضافة إلى تفعيل المصادقة الثنائية التي تضيف طبقة حماية إضافية لأي حساب، وعدم الاستجابة للمبتز لأن التجاوب معه يعني الدخول في حلقة لا نهاية لها من الاستغلال.
ويشدد على "ضرورة إبلاغ الجهات المختصة فورًا لأن التبليغ المبكر يزيد من فرص الإيقاع بالمبتز ومنع تفاقم الضرر".
وفي حال وقع الشخص ضحية للابتزاز، ينصح السعيدي بالتعامل مع الأمر بحكمة وعدم إظهار الخوف للمبتز، لأن المجرم يتغذى على ضعف الضحية واندفاعها للاستجابة. كما ينصح بالاحتفاظ بالأدلة مثل رسائل المبتز والمحادثات لاستخدامها لاحقًا في الإبلاغ عنه، إلى جانب إغلاق جميع المنافذ المحتملة عبر تغيير كلمات المرور وإبلاغ منصات التواصل لحذف أي محتوى مسيء، فضلًا عن طلب المساعدة من متخصصين سواء في الأمن السيبراني أو الدعم النفسي، لأن الابتزاز قد يترك آثارًا نفسية خطيرة.
وفي ختام حديثه، يؤكد السعيدي أن التكنولوجيا بقدر ما تقدم فوائد لا حصر لها، فإنها تظل سلاحًا ذا حدين ويجب التعامل معها بحذر ووعي. ويقول، أن الوقاية والوعي الأمني هما خط الدفاع الأول ضد جرائم الابتزاز الإلكتروني، داعيًا إلى عدم الرضوخ للتهديدات وعدم السماح للمجرمين بالسيطرة على حياة الأفراد. ويختتم بقوله إن من يقع ضحية للابتزاز لا يجب أن يدع الخوف يسيطر عليه، فهو ليس وحده، وهناك دائمًا طريق للخروج والانتصار على هذا التهديد.
العقوبات القانونية
ويعرف المحامي مصطفى البياتي الابتزاز الإلكتروني على أنه "ممارسة الضغط على الأفراد للحصول على مزايا مالية أو معنوية من خلال التهديد بنشر معلومات أو صور خاصة بهم"، ووفقاً للبياتي فأن هذا النوع من الابتزاز يبرز في مجالات عدة مثل الابتزاز السياسي، العاطفي، والإلكتروني. ويعد من الظواهر الحديثة التي تهدد الأمان الشخصي والمؤسسي على حد سواء.
وأوضح البياتي لـ "طريق الشعب"، أن "الابتزاز الإلكتروني يشمل تهديد الضحية بنشر مواد خاصة بها، سواء كانت صورًا أو فيديوهات أو معلومات سرية، بهدف فرض دفع أموال أو إجبار الشخص على القيام بأفعال غير قانونية تخدم مصلحة المبتز. قد يشمل ذلك الكشف عن أسرار متعلقة بالعمل أو استغلال الضحية في أعمال غير مشروعة".
أما في ما يتعلق بالعقوبات المقررة على جريمة الابتزاز الإلكتروني في القانون العراقي، فإنها تندرج تحت جرائم التهديد بموجب المواد 430 و431 و432 من قانون العقوبات العراقي رقم 111 لعام 1969. وتنص المادة 430 على معاقبة من يهدد شخصًا بارتكاب جناية ضد نفسه أو ممتلكاته أو سمعة شخص آخر، بالسجن لمدة قد تصل إلى سبع سنوات أو الحبس. كما تفرض المادة 431 عقوبات بالسجن على من يهدد آخر بارتكاب أفعال تضر بسمعته أو ماله.
ويؤكد البياتي، أن تطبيق هذه القوانين ضروري لحماية الأفراد من هذه الجريمة المتزايدة في ظل النمو السريع للتكنولوجيا واستخدام الإنترنت في حياتنا اليومية.
الثقة المفرطة
وتزايدت في الآونة الأخيرة حالات الابتزاز الإلكتروني في العراق بشكل ملحوظ، إذ تجد الناشطة المدنية سارة جاسم في حديث لـ "طريق الشعب"، أن "هذه الظاهرة تنبع من عدة عوامل، أبرزها الثقة المفرطة بالأشخاص المجهولين على الإنترنت، حيث يتم إرسال الصور والمعلومات الشخصية دون إدراك العواقب. كما أن التعامل مع أشخاص يدّعون ممارسة السحر والشعوذة يشكل تهديدًا إضافيًا، حيث يتم استغلال الضحايا نفسيًا وماديًا، بل وتهديدهم بنشر صور أو معلومات خاصة".
وتعتبر سارة أن "النساء والفتيات الشابات الأكثر استهدافًا بهذه الجرائم، إذ يعانين من ضغوط اجتماعية وثقافية تجعل من الصعب عليهن الإبلاغ عن الابتزاز، خوفًا من الفضيحة أو العار. هذا التفاعل مع الابتزاز يؤدي إلى آثار نفسية واجتماعية خطيرة مثل العزلة والاكتئاب، بل قد يصل إلى الانقطاع عن الدراسة والعمل".
عقوبات مشددة
ورغم أن القانون العراقي يعاقب على جرائم الابتزاز الإلكتروني، إلا أن تطبيقه بحاجة إلى مزيد من التشديد والسرعة في الاستجابة لحماية الضحايا ومنع استمرار هذه الجرائم. وللحد من ظاهرة الابتزاز، اقترحت الناشطة تشديد العقوبات على المبتزين وتسريع إجراءات المحاسبة، بالإضافة إلى إنشاء وحدات متخصصة في الأمن الإلكتروني لمتابعة قضايا الابتزاز بكفاءة وسرعة. كما دعت إلى إطلاق حملات توعية وطنية لتسليط الضوء على مخاطر التعامل مع الغرباء عبر الإنترنت، خاصة أولئك الذين يدّعون ممارسة السحر والشعوذة، وتقديم دعم نفسي وقانوني للضحايا لمساعدتهن في مواجهة الابتزاز وعدم الرضوخ للخوف.
وأكدت أن "المؤسسات التعليمية تلعب دورًا حيويًا في توعية الشباب بمخاطر الابتزاز الإلكتروني، وهو ما يتطلب منها اتخاذ خطوات ملموسة مثل إدراج التوعية بالأمان الرقمي ضمن المناهج الدراسية وتنظيم ندوات وورش عمل حول كيفية التعامل مع التهديدات الإلكترونية. كما يجب توفير منصات آمنة للتبليغ عن الابتزاز داخل المدارس والجامعات، وتعزيز ثقافة الحماية الذاتية عبر الإنترنت وتوضيح مخاطر التعامل مع المشعوذين والسحرة الذين يستغلون الناس لتحقيق مكاسب شخصية". وشددت سارة على ضرورة تضافر جهود المجتمع، والقوانين، والمؤسسات، بالإضافة إلى تمكين النساء والفتيات من الإبلاغ عن حالات الابتزاز بثقة. ويجب ضمان حماية قانونية ودعم نفسي مناسب لهن، مما يسهم في تعزيز ثقافة الحماية الشخصية عبر الإنترنت وتوفير بيئة آمنة لجميع الأفراد.