أشاد ناشطون عراقيون بالتعديلات الأخيرة التي شهدتها مدونة الأحوال الشخصية المغربية، معتبرين أنها تمثل مكسباً كبيراً لصالح المرأة، خاصة في ظل القيود المجتمعية التي تحاول بعض الحكومات فرضها قانونياً، لا سيما ما يتعلق بحضانة الأطفال.
إصلاح رئيسي للعلاقات الأسرية
وتُعتبر مدونة الأسرة المغربية من الإصلاحات الأساسية التي تنظم العلاقات الأسرية وتحمي حقوق الأفراد. وفي هذا الصدد، أوضح القاضي المتقاعد هادي عزيز أن التعديلات الأخيرة تصب في مصلحة المرأة والطفل، مشيراً إلى منح الأم حق حضانة الطفل حتى بعد زواجها مجدداً، واعتبار الأثاث في بيت الزوجية ملكاً مشتركاً بين الزوجين.وأضاف عزيز خلال حديثه لـ"طريق الشعب" أن "القانون المغربي، رغم استناده إلى الشريعة الإسلامية، قد اتجه نحو إدماج الاتفاقيات الدولية لضمان التوازن بين الحقوق".
كما تطرّق إلى مسألة حقوق ازوجة بعد وفاة الزوج، إذ تضمنت التعديلات ضمان حقها في السكن، بعد أن كان المنزل الزوجي يُعتبر جزءاً من التركة بموجب القوانين السابقة، مما كان يثير تعقيدات قانونية.
قضايا الميراث والجدل المستمر
ورغم هذه التعديلات الإيجابية، أشار عزيز إلى وجود بعض الملاحظات، خصوصاً في ما يتعلق بالميراث، حيث لا تزال مسألة "التعصيب" تثير الجدل. وكمثال على ذلك، إذا توفي رجل وترك بنتاً واحدة له مع إخوة وأخوات، فإن النصيب الأكبر يُمنح للبنت، لكن تظل حقوق العمات والأعمام قضية معلقة تحتاج إلى مزيد من التنظيم.
التعديلات ودعم الحراك النسوي في العراق
من جانبها، أكدت الدكتورة نادية محمود، الحاصلة على دكتوراه في العلوم السياسية، أن التعديلات تمثل نقلة نوعية لتعزيز حقوق المرأة، موضحة أن هذه التغييرات جاءت نتيجة جهود الحركات النسوية والتحررية داخل المغرب.
ورغم ذلك، ترى محمود أن "هذه التعديلات ليست نهائية، حيث لا تزال قضايا مثل تعدد الزوجات بحاجة إلى حسم واضح".
وفيما يتعلق بالعراق، ترى محمود أن "التعديلات المغربية قد توفر إلهاماً ودعماً معنوياً للحركات النسوية العراقية، خصوصاً في مواجهتها لتعديلات مقترحة على قانون الأحوال الشخصية العراقي، تشمل قضايا حضانة الأطفال وتعدد الزوجات". وأضافت الى أن التجربة المغربية تضفي شرعية على مطالب الحركات النسوية في العراق للحفاظ على مكتسبات القوانين الحالية.
أبرز التعديلات المغربية المقترحة
بدوره، كشف وزير العدل المغربي عبد اللطيف وهبي عن 139 تعديلاً مقترحاً على مدونة الأسرة، استناداً إلى مقترحات الهيئة المكلفة والمجلس العلمي الأعلى. ومن أبرز هذه التعديلات:
تعدد الزوجات: اشتراط موافقة الزوجة الأولى، مع تقييد التعدد بحالات استثنائية مثل العقم أو مرض يمنع المعاشرة الزوجية، وبإذن القاضي.
الحضانة: منحها بشكل مشترك أثناء الزواج، واستمرار حق الأم المطلقة في حضانة أطفالها حتى بعد زواجها مجدداً، مع ضمان حق السكن للمحضون.
تقليص مدة البت في الطلاق: حصر المدة الزمنية بـ 6 أشهر كحد أقصى.
توثيق الخطبة والزواج: اعتماد العقد كأداة أساسية لإثبات الزواج، مع تنظيم الحالات الاستثنائية.
زواج القاصرين: تحديد سن الزواج بـ 18 عاماً، مع السماح بالزواج في سن 17 وفق شروط صارمة.
الإرث: إدراج مقترحات جديدة تسمح بالهبة للوارثات أثناء الحياة، وفتح المجال أمام الوصية والهبة بين الزوجين في حال اختلاف الأديان.
تجاوب حقوقي
من جهتها، وصفت الناشطة الحقوقية والبرلمانية المغربية السابقة رشيدة الطاهري التعديلات بأنها تمثل جزءاً من مطالب الحركات النسائية والحقوقية. وأكدت أهمية الولاية المشتركة بين الأبوين، وإيقاف إدخال بيت الزوجية ضمن التركة بعد وفاة أحد الزوجين، مما يحمي حق الشريك الآخر في السكن.
وشددت الطاهري على ضرورة صياغة التعديلات بدقة قانونية لضمان سهولة تنفيذها، مشيرة إلى أهمية الالتزام بما جاء في بلاغ الديوان الملكي، خاصة ما يتعلق بضمان المساواة والتضامن، والالتزام بالاتفاقيات الدولية التي صادق عليها المغرب.
نموذج ملهم للمنطقة
هذا وتؤكد التجربة المغربية على أن المواءمة بين الشريعة الإسلامية والاتفاقيات الدولية يمكن أن تحقق توازناً يعزز حقوق المرأة، مما يجعلها نموذجاً يُحتذى به في المنطقة، خاصة في دول مثل العراق، حيث لا تزال المرأة تواجه تحديات قانونية ومجتمعية كبيرة.