لم تعد أزمة الكهرباء في العراق مقتصرة على فصل الصيف في ظل الأحمال الزائدة، إنما تعدت ذلك إلى شهور الشتاء وفترات الأجواء المعتدلة.
ويتساءل خبراء في الطاقة والاقتصاد عن مصير المليارات الهائلة التي تخصص سنويا لقطاع الكهرباء في ظل استمرار أزمته، مشيرين إلى أن الحلول التي تُصرّح بها الجهات الحكومية والقرارات التي يجري الحديث عنها في شأن الكهرباء، بدت بدون فائدة وذهبت أدراج الرياح، إذ لا يزال واقع هذه الخدمة الأساسية في تدهور من سيء إلى أسوأ، مشكلةً عبئاً كبيراً على المواطن.
ويرجح مراقبون خروج العديد من محطات التوليد عن الخدمة، بسبب قدمها وتهالكها. فيما يلفت آخرون إلى أهمية استغلال الطاقة النووية في توليد الكهرباء، كجزء من حل الأزمة، على غرار ما عملت عليه مصر وغيرها من الدول.
وكان وزير المالية في حكومة مصطفى الكاظمي، قد أفاد في مقال نشرته صحيفة "الغارديان" البريطانية في أيلول 2021، وأعادت نشره وكالة الأنباء العراقية (واع)، أن "عجز العراق عن توفير ما يكفي من الكهرباء لتلبية الطلب، كلف البلاد ما يقرب من 120 مليار دولار على مدى السنوات السبع الماضية".
لم نرَ النور!
من جانبه، يقول خبير الطاقة قاسم السلطاني، إنه "رغم المليارات التي أنفقت على قطاع الكهرباء، إلا اننا لم نرَ نور الكهرباء!"، مشيرا في حديث صحفي إلى أنه "في مصر تم بناء ثلاث محطات نووية لتوليد الكهرباء. وسبق أن دعوت إلى الاستفادة من المفاعل النووي العراقي في هذا الغرض، وقدمت طلبا رسميا بذلك إلى رئيس الوزراء".
ويرى اقتصاديون أن مليارات الدولارات التي تنفق سنويا على الغاز المستورد، لغرض تشغيل محطات الكهرباء، قد تسبب عجزا اقتصاديا على المدى القريب.
ومنذ عام 2017 بدأ العراق يستورد الغاز من إيران لتشغيل محطاته الكهربائية. وفي آذار الماضي أعلنت وزارة الكهرباء توقيعها عقدا لتوريد الغاز مع شركة الغاز الوطنية الإيرانية لمدة 5 سنوات، وبمعدلات ضخ تصل إلى 50 مليون متر مكعب يوميا. وتتفاوت الكميات حسب حاجة المنظومة لصالح إدامة زخم عمل محطات الإنتاج، ومواكبة ذروة الأحمال والطلب المتزايد على الطاقة الكهربائية.
وبالرغم من توقيع العقد وما سبقه من عقود، لا يبدو أن إيران ملتزمة بتوريد الكميات المتفق عليها، كما ذكر مؤخراً وزير الكهرباء أثناء زيارته لمحافظة البصرة. فقبل نحو أسبوعين أوقفت ضخ الغاز إلى العراق لأغراض الصيانة، ثم استأنفت توريده، لكن بكميات قليلة، الأمر الذي أفقد المنظومة الوطنية ما يقارب 5000 ميغاواط من الطاقة الكهربائية، وبالتالي خلّف أزمة شديدة أضرت المواطنين كثيرا.
فيما لا يبدو أن هناك خطوات جادة لاستثمار الغاز الوطني بالشكل الذي يُغني عن الاستيراد!
الخبير الاقتصادي عبد الحسين الزيادي، يبدي استياءه من تردي الكهرباء. ويقول إنه "حتى في فصل الشتاء الذي لا نحتاج فيه إلى الكهرباء كثيرا، تنقطع الطاقة لساعات طويلة. وهذا لا يتناسب مع المبالغ الكبيرة التي أنفقت على هذا القطاع"، داعيا في حديث صحفي، الحكومة إلى "مراجعة نفسها، وتحديد الأخطاء الأساسية التي حالت دون معالجة أزمة الكهرباء المزمنة".
بغداديون: نعاني من انقطاع متكرر
ومثل العديد من المحافظات والمدن، تشهد بغداد أزمة خانقة في الطاقة الكهربائية، لا سيما بعد تقليل كميات الغاز المستورد. ويعاني البغداديون من انقطاعات متكررة وطويلة في التيار الكهربائي. إذ سُجلت حالات انقطاع في بعض المناطق تدوم ساعات عدة، مقابل فترة تجهيز لا تتجاوز 13 دقيقة!
وعن ذلك يقول المواطن علي حسين، أنه "لا يمكن العيش في هذه الظروف، انقطاع الكهرباء لأربع ساعات مقابل تشغيلها لمدة 13 دقيقة فقط، أمر غير مقبول"، مضيفا أنه "نعتمد على المولدات الأهلية التي تُثقل كواهلنا بتكاليف إضافية، بينما الكهرباء الوطنية لا تقدم أي فائدة".
كما لفت المواطنون الانتباه إلى أن اصحاب المولدات الأهلية يبررون رفعهم لأسعار الأمبير بإرتفاع أسعار الوقود المستخدم في تشغيل مولداتهم، في وقت يضاعف ذلك من الأعباء الاقتصادية على الأسر، التي تعاني أصلاً ضغوط المعيشة وارتفاع تكاليف الحياة.
فيما تقول المواطنة أم أحمد، إن "أسعار الجباية أصبحت خيالية. ندفع مبالغ ضخمة دون أن نحصل على خدمة تُذكر.
من غير المعقول أن نستمر بهذا الوضع، خاصة مع انخفاض درجات الحرارة".
وسببت المبالغ المرتفعة لفواتير جباية الكهرباء، استياءً واسعاً بين المواطنين. إذ يرى كثيرون أنها لا تعكس جودة الخدمة المقدّمة. ويوم الأحد الماضي، أكد وزير الكهرباء زياد علي فاضل، أن فواتير استهلاك الطاقة التي تتجاوز مبالغها 150 ألف دينار ستتم مراجعتها وتدقيقها. وذكر بيان صادر عن المكتب الإعلامي للوزير، أن الأخير عقد اجتماعاً موسعاً في دائرة توزيع كهرباء البصرة لمتابعة توصيات اللجنة التحقيقية التي شُكلت الشهر الماضي، على خلفية شكاوى المواطنين من ارتفاع مبالغ الفواتير.
وأضاف البيان أن "الوزير أصدر حزمة قرارات تضمنت العودة لنظام إصدار الفواتير كل شهرين، مع إخضاع أي فاتورة تتجاوز 150 ألف دينار للمراجعة والتدقيق"، مؤكداً "عدم وجود أي زيادة في أسعار تجهيز الطاقة الكهربائية".
تكرار المطالبة بالحلول
وتتكرر مطالبات المواطنين ومتابعي شؤون الطاقة، بإيجاد حلول لمعضلة الكهرباء المزمنة عبر خطوات جادة وعاجلة، مشددين على أهمية مكافحة الفساد الإداري في هذا الملف، من خلال مراقبة صرف الأموال المخصصة له، ومحاسبة المتورطين في سوء الإدارة، إلى جانب تطوير البنى التحتية لقطاع الكهرباء، والإسراع في إنجاز أعمال الصيانة والتحديث للمحطات والشبكات، مع تعزيز الطاقة البديلة، ومنها الاستثمار في مشاريع الطاقة الشمسية والرياح لتخفيف الضغط الحاصل على الشبكة الوطنية.
ويرى مراقبون وخبراء في مجال الطاقة، أن حل هذه الأزمة لن يكون مكلفا، لولا وجود الفساد المستشري في هذا الملف الخدمي المهم!