اخر الاخبار

تعد شريحة عمال المسطر أو ما يُعرف بـ"العمالة اليومية" من أكثر فئات الشغيلة عدداً في المجتمع، نتيجة الفقر والبطالة وغياب الخطط الحكومية لتنظيم عملهم. ويتجمع هؤلاء العمال يومياً منذ الصباح الباكر في الساحات العامة، منتظرين فرص عمل عابرة توفر لقمة العيش لهم و لعوائلهم.

الرشوة تغلق الأبواب

في مسطر بمنطقة الباب الشرقي وسط بغداد، التقينا بفراس معتز، شاب ثلاثيني يحمل شهادة جامعية، لكنه يعمل في المسطر منذ سنوات، فقال لـ"طريق الشعب" "وضعنا شهاداتنا جانبا ولم نحصل على شيء، لأن الحصول على وظيفة محترمة يتطلب دفع رشوة مالية كبيرة، ونحن لا نملك هذا المال. نعمل هنا حوالي 9 ساعات يومياً في ظروف شاقة ومن دون أي ضمان اجتماعي أو صحي. لكننا مضطرون للاستمرار لتوفير الطعام والاحتياجات الأساسية لعوائلنا".

وفيما يتعلق بعدم شمولهم بالضمان الاجتماعي، أوضح أن "الاستقطاعات الشهرية التي يفرضها الضمان الاجتماعي تُعد مرتفعة، خصوصاً أن غالبية عمال المسطر يعتمدون على أجور يومية بسيطة لا تكاد تغطي احتياجاتهم الأساسية".

قساوة الظروف وترك التعليم

أما مهيمن عامر، شاب في التاسعة عشرة من عمره، فقد أجبرته الحياة على ترك الدراسة بعد وفاة والده في أحد الانفجارات. يقول مهيمن: "أُعيل عائلتي منذ خمس سنوات، فتقاعد والدي لا يكفي لإيجار المنزل وتكاليف الحياة.  حاولت البحث عن عمل دون جدوى بسبب غياب الواسطة. صديقي الذي كان يعمل معي توفي مؤخراً بسبب الظروف القاسية وقلة الأجور التي لا تسد تكاليف العلاج، إذ لا نحصل يوميا إلا على 25 ألف دينار في أحسن الاحوال، وهو مبلغ لا يكفي لسد احتياجاتنا".

لا تعويض عند الإصابة

رشيد أبو حسين، عامل في المسطر، فقد إحدى عينيه إثر سقوط أنقاض البناء عليه أثناء العمل. يقول لـ "طريق الشعب" إن" صاحب العمل رفض معالجتي أو تعويضي، بحجة أنه لا يملك المال. نعمل ساعات طويلة في ظروف صعبة دون أي ضمانات، وأحيانا كثيرة نعود إلى منازلنا بلا شيء حيث لا نجد عملًا، خاصة وأن الكثير من أصحاب العمل يفضلون العمالة الأجنبية غير المنظمة التي باتت تهيمن على الكثير من فرص العمل المحلية".

تهرب أرباب العمل

مالك عباس، عامل يبلغ من العمر 40 عاماً، يوضح مشكلة تهرب بعض أرباب العمل من دفع مستحقات العمال، فيقول لـ"طريق الشعب": "هناك من يماطل في دفع الأجور أو يتعهد بتوفير الطعام وأجور النقل لكنه يختفي بمجرد انتهاء العمل، حتى أن بعضهم يغلق هاتفه ليتجنبنا. حاولت البحث عن عمل ثابت لكن الفرص قليلة، وحتى هنا يتم تفضيل الشباب الأصغر سنا".

رأي آخر

مقاول البناء أبو نور، يرى أن الجهات الحكومية يجب أن تضطلع بدور أكبر في تنظيم هذه الفئة، ويقول  "نحتاج إلى العمالة اليومية، لكن يجب إنشاء مكاتب أو مؤسسات تنظم عملهم وتوفر لهم ضماناً صحياً واجتماعياً وحتى تقاعداً. كثير من عمال المساطر يحملون شهادات جامعية لكنهم لم يجدوا فرصاً في الوظائف الحكومية. علينا أن نوفر لهم بيئة عمل تضمن حقوقهم وتعاملهم بكرامة، فهذه ابسط حقوقهم".

وفيما يتعلق بقانون التقاعد والضمان الاجتماعي للعمال، أشار أبو نور إلى أنه يمثل خطوة إيجابية، لكن آلية الشمول به ما زالت غير واضحة للكثير من العمال، خاصةً أولئك الذين ينحدرون من العوائل البسيطة التي تفتقر إلى الوعي بحقوقها. هذا الأمر يدفعهم للتأقلم مع ظروف حياة قاسية دون المطالبة بتحسين أوضاعهم.

كما يعلّق أبو نور على تأثير العمالة الأجنبية على سوق العمل المحلي، موضحاً أن العمالة الأجنبية غير المنظمة تقبل العمل مقابل أجور منخفضة، مما يجعلها خياراً مفضلاً لأصحاب العمل مقارنةً بالعامل العراقي، الذي تكون أجوره عادة أعلى نتيجة الظروف المعيشية الصعبة التي يتحملها.