اخر الاخبار

تتواصل هجرة الشباب من مختلف مدن العراق، إلى دول أوروبا، هربا من مستقبل مجهول في ظل واقع اقتصادي وسياسي وأمني غير مطمئن، وأملا في حياة أفضل وفضاءات تتيح تحقيق الطموح – وفق ما يراه الكثيرون من مؤيدي خيار الهجرة، رغم ما يترتب على ذلك من مخاطر. وبين وقت وآخر، تعلن السلطات العراقية غرق شبان مهاجرين خلال محاولتهم العبور إلى أوروبا عبر تركيا أو ليبيا وتونس، التي يصلون إليها بوصفهم سائحين غالباً. حيث نقلت وكالات أنباء عن مصدر في وزارة الداخلية، قوله ان أكثر من 70 عراقيا توفوا في العام الحالي، في طريقهم إلى أوروبا، مبينا أن محافظات كردستان وبغداد، تتصدر أعداد المهاجرين ومقدمي طلبات الهجرة، وأن السلطات تسلمت نحو 40 عراقيا بعد اعتقالهم وحبسهم في دول مختلفة، نظرا لدخولهم إليها بصفة غير شرعية.

ويرى متابعون أن هناك أسبابا عديدة لدفع الشباب نحو الهجرة، أبرزها البطالة وعدم وجود فضاء لاحتضان المواهب والطاقات الشبابية، في الوقت الذي لا تزال فيه أنظار السلطات بعيدة عن حاجات هذه الشريحة وتطلعاتها.  

الأبواب مغلقة!

في محل صغير لبيع الحلويات في أحد أحياء بغداد، يزاول عمر عبد الرحمن (26 سنة) عملاً وجد نفسه مضطراً إليه لتأمين قوته اليومي، بعد أن عجز عن الحصول على فرصة عمل تناسب تخصصه الجامعي.

يقول عبد الرحمن في حديث صحفي، أنه تخرج قبل 3 سنوات في كلية الهندسة – قسم البرمجيات، ومنذ تخرجه بدأ يبحث عن فرصة عمل باختصاصه “لكن الأبواب، كلها أغلقت في وجهي.. كنت أحلم بتطوير نفسي والعمل في مشاريع هندسية، لكن الظروف جعلتني أعمل هنا لأعيش”. ورغم التحديات، لم يتخلَ عمر عن حلمه بالهجرة إلى ألمانيا لإكمال دراسته العليا والعمل في مجاله. إذ يقول: “أتواصل باستمرار مع أصدقائي الذين درسوا معي في الجامعة، وهم الآن في ألمانيا. تخصصوا في علوم الكومبيوتر ويعملون حاليا في مجالاتهم بتقدير واحترام.. عندما أسمع عن نجاحهم، أشعر بالأمل وأتمنى أن أكون مثلهم”.

بيئة تُقدر الجهد

عبر وسائل التواصل الاجتماعي، يتابع الشباب يوميات أقرانهم في دول أوروبية يعيشون فيها حياة مستقرة، ويتمتعون بفرص عمل مناسبة وتعليم ذي جودة عالية، ويحصلون على خدمات صحية متقدمة.

يقول مناف صبار، وهو في سنته الجامعية الأولى: “أريد أن أطور مهاراتي وأبني مستقبلي في بيئة تقدّر الجهد والعلم”، مضيفا في حديث صحفي أنه “لدي اهتمام كبير بمجال الذكاء الاصطناعي، وأدرس البرمجيات، وهو المجال الذي أتوقع أن أحقق فيه طموحي. أشعر أنني محاصر وأسعى إلى الحصول على فرصة للهجرة”. ويواجه مناف العديد من الصعوبات، منها رفض عائلته فكرة الهجرة، لكنه يؤكد أنه يخطط لهذا الأمر، ويتواصل مع شبان عراقيين وعرب وصلوا عن طريق الهجرة السرّية إلى دول أوروبية. ويقول: “لن أرضخ لأي صعوبات أو معوقات، وسأصل إلى هدفي الذي لن يتحقق إلا بنيل جنسية بلد يقدّر الطاقات. الذكاء الاصطناعي هو المستقبل الذي سيغيّر العالم، والدول المتقدمة تدرك ذلك، وتوفر فرصاً كبيرة للمتخصصين فيه، بينما الإمكانات ضعيفة والفرص محدودة في العراق”، مشيرا إلى أن “شبابنا نادرا ما يعملون في تخصصاتهم الجامعية، بسبب تفشي البطالة، فكيف لا يفكرون في الهجرة؟!”.

الهجرة خطة وليست حلما!

الهجرة بالنسبة إلى مروان كاظم (19 سنة)، ليست مجرد حلم، بل خطة يعمل على تحقيقها. فهو يرى أن الدراسة في الخارج، لا سيما في دول مثل ألمانيا أو هولندا أو بلجيكا، ستفتح له الأبواب.

ويقول في حديث صحفي: “أريد أن يكون لي مستقبل جيد. أبي وإخوتي الذين يكبرونني يعملون في مهن تأخذ وقتهم وصحتهم كي يوفروا معيشة ملائمة نوعاً ما لأسرهم. لا أريد أن أكون نسخة منهم، فحلمي هو أن أسير على درب كثيرين هاجروا واستطاعوا خلال أعوام قليلة أن يعيشوا في استقرار بعدما حصلوا على عمل جيد. أملك قدرات في العمل التجاري، وأعتقد أنني سأكون ناجحاً، وسأعمل في مشاريع تُحدث فرقاً في بلاد أخرى”. ولا يبدو مروان مكترثا لإخفاقه في دراسته. فهو أهمل الدراسة كونه انشغل في العمل من أجل جمع مبلغ يساعده على الهجرة، مبينا أن”القصص التي يبثها عراقيون في المهجر عن نجاحهم في تحقيق طموحاتهم، سواء في الدراسة أم في العمل، تدفع كثيرين من الشباب للسير على تلك الخطى”.

غياب الفرص

إلى ذلك، يرى الباحث الاجتماعي أحمد كامل، أن “عوامل عدة تدفع شباب العراق إلى الهجرة، من بينها غياب الفرص. فاقتصاد البلد يعاني تحديات مستمرة، ما يترك الشباب بلا خيارات، إضافة إلى عدم الاستقرار الأمني والسياسي”.

ويضيف في حديث صحفي قائلا أن “جاذبية الحياة في الدول المتقدمة تشجع الشبان على اتخاذ قرار الهجرة”، مشيرا إلى ان “هناك غيابا تاما للإدارة الصحيحة طوال العقدين الماضيين، وإهمالا كبيرا للقطاعات الخدماتية والبنى التحتية، ما جعل التعليم والصحة والبيئة في درجات متدنية، وبالتالي أثر ذلك سلباً على الشبان الذين يبحثون عن فرصة للتعبير عن طاقاتهم واستغلال مهاراتهم، ودفعهم للبحث عن بلدان أخرى تحقق لهم ما يطمحون إليه”.