في الوقت الذي يواجه فيه العراق تحديات اقتصادية واجتماعية متزايدة، يبرز الازدواج الوظيفي كأحد أبرز المشكلات التي تواجه المواطنين، الذين لا يجدون فرصة للعمل، وتؤثر سلبا على الموازنة العامة للبلاد.
وكانت لجنة النزاهة في مجلس النواب، قد كشفت عن وجود 800 موظف مزدوج الراتب في مطار النجف الدولي وهم في نفس الوقت موظفون في وزارات ومؤسسات ودوائر حكومية أخرى، واعلنت تشكيل لجنة لحسم الملف خلال 25 يوماً.
الفساد وراء ذلك!
وفقًا للخبير الاقتصادي أحمد عيد، يُعد الفساد المحرك الأساس وراء هذه الأزمة. ويتجاوز عدد الأشخاص الذين يتقاضون أكثر من راتب في العراق 700 ألف شخص، بينهم متنفذون وعناصر ينتمون إلى جهات مسلحة، حسب إحصائيات غير رسمية.
وقال عيد لـ "طريق الشعب"، إن "الازدواج الوظيفي يشكل عبئًا ماليًا ثقيلًا على الدولة، حيث يتقاضى الموظفون رواتب من أكثر من جهة حكومية، مما يؤدي إلى إهدار الموارد البشرية والمالية. هذه الظاهرة تزيد من التحديات الهيكلية في تخصيص الموارد، في وقت يشهد العراق فائضًا في القوى العاملة وارتفاعًا في معدلات البطالة. ومن ثم، تتحول هذه الرواتب إلى نفقات استهلاكية بدلاً من استثمارها في مجالات حيوية مثل التعليم أو البنية التحتية، وهو ما يؤثر بشكل مباشر على الإنتاجية والنمو الاقتصادي".
وأضاف: أن "الازدواج الوظيفي يُساهم في إضعاف الكفاءة الاقتصادية، حيث تؤدي الرواتب المزدوجة إلى انخفاض الكفاءة الجدية للعمل، مما يعني أن تكلفة الفرصة البديلة تصبح مرتفعة. فبدلاً من توظيف هذه الموارد في قطاعات أكثر إنتاجية مثل التكنولوجيا أو القطاع الخاص، تظل الأموال مُستنزفة في نفقات غير منتجة. هذه الظاهرة تؤدي إلى تفاقم العجز المالي في الموازنة العامة، حيث تضطر الحكومة إلى زيادة الإنفاق على الرواتب أو اللجوء إلى الاقتراض وتقليص الإنفاق التنموي، ما يؤثر على استدامة النمو الاقتصادي في المستقبل".
الحاجة الى اصلاح هيكلي شامل
وأكد أنه يجب تبني سياسات تنموية تُشجع على الاستثمار في القطاع الخاص، من أجل خلق فرص عمل مستدامة ومنتجة. إن استثمار العراق في هذا الاتجاه من شأنه أن يسهم في الحد من البطالة، ويعزز من قدرة الاقتصاد الوطني على النمو والازدهار على المدى الطويل.
وتابع، أن "إصلاحات كهذه تعد ضرورية لضمان عدم استمرار العجز المالي وتراجع الإنتاجية، لضمان استدامة النمو الاقتصادي وتحقيق مستقبل أفضل للعراق وشعبه".
احتكار فرص العمل
ومع اضطرار العديد من العاملين للعمل في وظيفتين أو أكثر لتأمين احتياجاتهم المعيشية، يجد الباحث الاقتصادي أحمد عبد ربه أن هذه الظاهرة تحمل تأثيرات سلبية متعددة على الاقتصاد والإنتاجية.
وفي حديثه حول الظاهرة، يقول عبد ربه لـ "طريق الشعب"، أن "العمل المزدوج يؤدي إلى تراجع الإنتاجية الفردية للعامل"، مضيفا أن "العامل الذي يعمل في وظيفتين ستقل إنتاجيته إلى حد ما، حيث أن الإرهاق الناتج عن هذا الأمر يؤثر سلبًا على أدائه في كلتا الوظيفتين.
ويضيف عبد ربه، أنّ "هذه الظاهرة لا تؤثر فقط على إنتاجية الأفراد، بل تسهم أيضًا في احتكار فرص العمل من قبل عدد محدود من العاملين، مما يترك العديد من الأشخاص بلا وظائف"، مبينا أنه "ستقلل فرص العمل في السوق المحلية، والتي ستكون محتكرة لأناس معينين، مقابل آخرين لا يمتلكون أي فرصة عمل".
ويشير الباحث إلى أن "هذا الخلل مرتبط بعشوائية سوق العمل في العراق، الذي يفتقر إلى التنظيم والتوازن بين العرض والطلب"، واصفا السوق بأنه "سوق عشوائي وغير منظم".
ويؤكد، أن هذه البيئة الفوضوية تُفرز ظواهر سلبية مثل العمل المزدوج.
ولمعالجة هذه المشكلات، يشدد عبد ربه على أهمية تحقيق توازن حقيقي في سوق العمل، وضمان فرص عمل عادلة ومتساوية بين العاملين في القطاعين العام والخاص. كما يدعو إلى وضع سياسات فعّالة لتنظيم سوق العمل ومنع الظواهر التي تهدد استقراره.
تشمل المناصب العليا ايضاً
ويُعلق الخبير الاقتصادي نبيل المرسومي على ظاهرة "دبل وظيفة"، في مطار النجف.
ويقول لـ "طريق الشعب"، ان "هذه الظاهرة تشمل عددًا من المناصب العليا، أبرزها منصب مدير مطار النجف الذي يشغل أيضًا منصب مدير عام المطارات والملاحة الجوية".
ويجد المرسومي، أن "هذه الظاهرة تعد من التحديات التي تؤثر على الأداء الإداري في المؤسسات العامة”، مشيرًا إلى "ضرورة معالجتها من خلال تنظيم التعيينات وتوحيد المهام الوظيفية لضمان تحسين كفاءة العمل".