كانت حنين علي، البالغة من العمر 34 عامًا، تستعد بفرح لاستقبال مولودها الأول، خاصة بعد أن أكدت لها الطبيبة المتابعة حتى الأسبوع 36 من حملها، أن وضع الجنين طبيعي وستكون الولادة الطبيعية. لكنها فوجئت في بداية الشهر التاسع بالطبيبة وهي تخبرها بأن "ماء الجنين" انخفض كثيرًا، مما يستدعي إجراء عملية قيصرية فورًا. تقول حنين: "صدمنا أنا وزوجي بقرار الطبيبة، فلم نكن مستعدين لتكلفة عملية قيصرية في مستشفى خاص".
تكاليف كبيرة
اضطر زوج حنين لبيع بعض المصوغات الذهبية لتأمين تكلفة العملية في مستشفى خاص، والتي بلغت نحو مليوني دينار، بالإضافة إلى تكاليف الأدوية وإبقاء الطفل على جهاز التنفس ليومين، بكلفة 100 دولار لليوم الواحد.
من جهتها، تتحدث المواطنة زهرة خزعل، التي رافقت ابنتها خلال عملية قيصرية في إحدى المستشفيات الخاصة، لـ "طريق الشعب" فتقول: "إلى جانب جشع المستشفيات الخاصة بفرض مبالغ باهظة مقابل إجراء عمليات الولادة القيصرية، هناك بعض الممرضين ممن يطلبون مبالغ إضافية مقابل خدماتهم".
إهمال للرضاعة الطبيعية
في نفس السياق، تقول ساندي كمال، التي أنجبت طفلها الأول في إحدى المستشفيات الخاصة ببغداد منذ 3 أشهر، إنها لم تتمكن من إرضاع طفلها طبيعيًا بعد العملية القيصرية بناءً على نصيحة الطبيبة، مما دفعها للجوء إلى الحليب المصنع.
وتشير إلى أن الطبيبة المتابعة طلبت من زوجها شراء حليب معين بسعر 70 ألف دينار، وهو ما أثار شك ساندي من وجود تواطؤ بين المستشفى والصيدلية لتحقيق الربح على حساب صحة الأمهات والأطفال خاصة وأنه وجدت حالات مشابهة في الصيدلية المجاورة للمستشفى.
ارتفاع أعداد العمليات القيصرية
ووفقًا لتقرير وزارة الصحة العراقية لعام 2023، تشكل الولادات القيصرية نحو 46 بالمائة من الولادات في المستشفيات الحكومية والخاصة، مع تجاوز المعدل الطبيعي في بعض المحافظات مثل بابل (100 في المائة) والديوانية وكركوك (99 في المائة) فيما سجلت محافظة البصرة أدنى نسبة (53 في المائة).
وعن الأسباب التي تدفع معظم أخصائيات جراحة النساء إلى توجيه النساء نحو مستشفيات القطاع الخاص، تقول د. رشا البياتي، أخصائية جراحة الأمراض النسائية والتوليد ورعاية الحوامل، لـ "طريق الشعب": "تعاني المستشفيات الحكومية من نقص حاد في الكوادر الطبية، إضافةً إلى غياب النظافة في صالات الولادة، والتي تُعد عنصراً أساسياً للحفاظ على حياة المولود والأم". وتضيف البياتي: "كما تعتمد المستشفيات الحكومية على القابلات في توليد النساء، وهناك الكثير من السلوكيات غير المقبولة تصدر منهن دون رادع، مما دفع العديد من النساء إلى تفضيل القطاع الخاص، الذي يعمل بحرص شديد على توفير أفضل الخدمات حفاظاً على سمعة المستشفى".
مطامع مالية و رغبات شخصية
وحول ارتفاع حالات الولادة القيصرية في المستشفيات الأهلية، توضح البياتي: "هناك عدة عوامل تساهم في زيادة الطلب على الولادة القيصرية، منها الرغبة في تجنب الآم المخاض، والتخطيط لموعد الولادة أو اختيار تاريخ مميز، والخوف من المشاكل الصحية أو التشوهات، وتأثير الموضة والتقاليد التي يتم التشجيع عليها بشكل مبالغ فيه، والضغط النفسي أو الاجتماعي على الأمهات".
وتنوه البياتي إلى عوامل أخرى لغرض إجراء عمليات الولادة القيصرية في المستشفيات الاهلية، منها الربحية العالية للأطباء والمستشفيات الخاصة جراء ضعف الرقابة الصحية على مستشفيات القطاع الخاص وفرضها مبالغ كبيرة على المراجعين، خاصة وأن أغلب الخدمات التي توفرها فندقية وليس من الصعب توفيرها في المستشفيات الحكومية.