تثير سوق الأدوية ومستحضرات التجميل التي راجت خلال السنوات الأخيرة بشكل واسع على مواقع التواصل الاجتماعي في العراق، قلق الجهات المسؤولة في البلاد، لا سيما ان تلك المواد يجري ترويجها وتداولها وتعاطيها دون استشارة طبية، وبعيدا عن الدور الرقابي.
وفي الوقت الذي تؤكد فيه جهات مسؤولة بذل الجهود للسيطرة على الظاهرة ومعاقبة المخالفين، لا يزال الكثيرون من العراقيين يُفضلون شراء الأدوية التي يجري ترويجها عبر مواقع التواصل، وذلك لأسباب عدة، أهمها رخص ثمنها مقارنة بما يُباع في الصيدليات الأهلية، فضلا عن عروض الترويج الترغيبية التي يقوم بها محترفون في مجال الإعلان.
وتُغري مهنة بيع الأدوية عبر وسائل التواصل، الكثيرين من العاطلين عن العمل والباحثين عن طرق سهلة لتحقيق الربح. إذ لا تترتب على البائع تكاليف مالية كبيرة مثلما في البيع المباشر، كمبالغ إيجار المحل ورسوم الكهرباء والماء وغيرها. كما انها لا تحتاج إلى ترخيص رسمي ولا تخضع للرقابة والمتابعة الصحية وشرط الشهادة الجامعية وغيره.. فكل ما يحتاجه البائع هو خبرة في ترويج المنتج!
بين التنحيف وبناء العضلات!
أكثر المواد الطبية التي يجري ترويجها على مواقع التواصل، هي مستحضرات تجميل ومواد للتنحيف وبناء العضلات، فضلا عن أدوية عشبية يدعي مروجوها بأنها قادرة على معالجة أمراض مختلفة، بعضها مزمن!
أحد بائعي تلك المستحضرات، يملك صفحة على فيسبوك، تخطى عدد متابعيها المليون شخص، وهو غير حاصل على شهادة في الصيدلة.
يقول هذا البائع في حديث لوكالة أنباء “العربي الجديد”، أنه “عملت مع أحد بائعي مستحضرات التجميل في ترويج بضاعته، على اعتبار أن لدي متابعين كثراً على مواقع التواصل. فأنا طالب في كلية الإعلام، وأجيد فن الترويج”.
ويوضح البائع الذي حجبت وكالة الأنباء اسمه، أنه “واصلت العمل مع البائع شهورا، فاتقنته، لذلك قررت مزاولته وحدي مستعينا بصفحاتي الشخصية. فصرت اشتري المستحضرات من سوق الشورجة، والأدوية من مذاخر طبية عديدة، وأروجها على صفحاتي”.
ويلفت إلى انه “أبيع يومياً كميات كبيرة جداً من الأدوية والمستحضرات، في عموم محافظات البلاد، واتفقت مع شركات خاصة بالتوصيل لإيصال المواد إلى الزبائن”، مؤكداً أن “أكثر زبائني من النساء، والطلب على مستحضراتنا يزداد بشكل يومي”.
ويعتقد البائع أنه “لا فرق بين بيع الأدوية في الصفحات أو الصيدليات. فأكثر أصحاب الصيدليات ومن يبيعون الأدوية فيها ليسوا صيادلة، وقسم منهم لا يحملون أي شهادات جامعية أساسا، لكنهم اكتسبوا الخبرة من خلال الممارسة والعمل، ونحن أيضاً اكتسبنا خبرة في تلك الأدوية ومخاطرها وطرق استخدامها”!
تنظيم تداول الأدوية
المتحدث باسم نقابة الصيادلة العراقيين، أسامة هادي حميد، يحذر من خطورة تلك المستحضرات والأدوية التي تُصرف من دون استشارة طبية.
ويقول في حديث صحفي ان “وزارة الصحة، ومنذ فترة ليست قصيرة، تعمل بالتعاون مع الجهات الساندة مثل نقابة الصيادلة ورابطة المكاتب العلمية وغيرها، على تنظيم تداول الأدوية والمستحضرات الطبية في البلاد، عن طريق فرض شروط وضوابط من شأنها إيصال دواء آمن وفعال للمواطن”.
ويضيف حميد قائلا أن “من جملة تلك الضوابط، تسجيل الشركة المنتجة للمستحضر، وتسجيل المستحضر نفسه بعد التحقق من تركيبته وتراكيزه، ومن ثم استيراده عن طريق المنافذ الحكومية الرسمية المعتمدة، وفحصه وتقييمه في المركز الوطني للرقابة والبحوث الدوائية، وأخيراً حصوله على الملصق السعري الذي هو دليل على أن هذا المستحضر اجتاز المراحل المذكورة آنفاً بنجاح”.
ويتابع قوله أن “ما نلاحظه اليوم من تسويق لمنتجات تحت اسم مكمل غذائي أو علاج للمفاصل أو مستحضرات للتجميل والعناية بالبشرة وغيرها، يعد مخالفاً للقانون، لأنه إذا كانت تلك المنتجات أدوية مسجلة ومفحوصة، فالقانون لا يجيز تسويقها عبر وسائل التواصل الاجتماعي، لأنها تحتاج إلى نصيحة الصيدلي، وشرح طريقة الاستعمال، وبيان محاذير تداخلها مع غيرها من الأدوية، ومدى سلامتها للحامل والمرضع والطفل وما شابه ذلك”.
شكاوى من المضاعفات الصحية
تتلقى وزارة الصحة ونقابة الصيادلة شكاوى كثيرة من مواطنين، بشأن تلك الأدوية والمضاعفات التي تنتج عنها، خاصة مستحضرات التجميل التي تقبل عليها النساء. وقد شكّلت الوزارة فرقاً خاصة تتابع هذه الصفحات التي تروّج الأدوية والمستحضرات.
ويؤكد أطباء خطورة تداول الأدوية خارج ضوابط وزارة الصحة. وعن ذلك يقول الطبيب مصطفى محمد، وهو اختصاصي في الأمراض الجلدية، إنه يعالج الكثير من الحالات المرضية الناتجة عن استخدام مستحضرات مباعة عبر الانترنيت.
ويبيّن في حديث صحفي أن “تلك المستحضرات خطيرة للغاية، ولا يمكن إهمال بيعها بشكل غير قانوني. فالكثير منها عبارة عن سموم خطيرة”، مشيرا إلى ان “هناك جهلا مجتمعيا باستخدام الأدوية والمستحضرات التي يجري شراؤها بدون وصفة طبية. إذ إن الكثير منها يحتوي على مواد مسرطنة، وانها غير خاضعة للفحص”.
ويلفت إلى أن “تلك المستحضرات تُستخدم بشكل مباشر من قبل المستهلك ومراكز التجميل وصالونات الحلاقة”، مشددا على أهمية إخضاع هذا الملف للرقابة الصحية، وأن تقوم الجهات المسؤولة بمحاسبة تلك الصفحات وأصحابها وفق القانون “إذ إن التعامل بالأدوية من دون الشروط الموضوعة يعد جريمة ومجازفة بأرواح الناس وصحتهم”.
وتعد تجارة الأدوية من أكثر أنواع التجارة المربحة في العراق، لا سيما في ظل عدم وجود رقابة صارمة تتابع أسعار الأدوية وأنواعها وفترات صلاحياتها، الأمر الذي تسبب في رواج تجارة الأدوية قريبة انتهاء الصلاحية، والتي تُحقق أرباحا كبيرة. وتنفذ قوى الأمن منذ سنوات عدة، عمليات لمنع دخول الأدوية إلى البلاد بشكل غير رسمي، والذي نشط بعد عام 2003.