يواجه العراق أزمة صحية متفاقمة تعكسها المشاهد اليومية للمراجعين والمرضى داخل المستشفيات والمؤسسات الصحية الحكومية، التي تشهد تهالكاً واضحاً ونقصاً في التجهيزات الأساسية والخدمات الطبية وقلة عدد الاطباء في بعض المستشفيات، بينما تشهد اخرى ترهلا في اعدادهم نتيجة لسوء التوزيع، ناهيك عن غياب الرؤى والتخطيط.
ويعود هذا الوضع إلى عقود من الفساد وسوء الإدارة، إضافة إلى غياب رؤية واضحة للتخطيط الصحي. وعلى الرغم من الوعود الحكومية المتكررة بتحسين قطاع الصحة، إلا أن التحديات ما زالت قائمة وتؤثر على حياة الملايين من العراقيين الذين يجدون صعوبات في الحصول على الرعاية الصحية اللازمة واللائقة.
ماذا عن المعايير العالمية؟
وتشير الإحصاءات إلى أن عدد المستشفيات في العراق يبلغ حوالي 272 مستشفى حكومياً، أي بمعدل مستشفى واحد لكل 160,000 نسمة، وهو معدل منخفض مقارنة بالمعايير العالمية. وتعاني هذه المستشفيات من نقص حاد في المعدات الطبية الحديثة والأسرة، حيث يوجد فقط 14 سريراً لكل 10,000 نسمة، في حين يصل المعدل العالمي إلى 27 سريراً لكل 10,000 نسمة.
إضافة إلى ذلك، يشكل تهالك البنية التحتية تحدياً كبيراً، إذ أن أكثر من 70 في المائة من المستشفيات تعاني من مشاكل تتعلق بصيانة المباني وتوفر المياه النظيفة والكهرباء.
تعليق من الصحة النيابية
انتقدت عضو لجنة الصحة النيابية، كفاح السوداني، تدهور الواقع الصحي في العراق، مشيرة إلى أن وزير الصحة يرفض الحضور إلى البرلمان للإجابة عن أسباب التراجع الكبير وانهيار البنية التحتية للنظام الصحي في البلاد.
وقالت السوداني إن "العراق بحاجة إلى بناء مدن طبية جديدة مشابهة لمدينة الطب في بغداد، بالإضافة إلى إنشاء مستوصفات صحية في أطراف المدن"، لافتة إلى أن "الإحصائيات تشير إلى نقص كبير في عدد المراكز الصحية في البلاد".
وأضافت أن "الفساد والمحاصصة الحزبية تسببا في منع تحسين الوضع الصحي على مدى السنوات الماضية"، مشيرة إلى "تردي الخدمات في المستشفيات الحكومية وعدم الاهتمام الكافي بالمرضى".
كما أكدت أن "نقص الوعي الصحي لدى أغلب المواطنين أدى إلى فوضى انعكست سلبًا على الواقع الصحي في البلاد".
ودعت السوداني إلى "تقنين عدد كليات الطب الأهلية وإبعاد المال السياسي والاستثمار عن هذه المهنة الإنسانية وإبعاد هذا القطاع عن حسابات الربح والخسارة"، مطالبة بـ"ضرورة دعم الواقع الصحي في القرى والأرياف عبر إنشاء مراكز ومستشفيات جديدة، وتسيير فرق جوالة لمراقبة الأوبئة ومعالجتها قبل انتشارها".
الحاجة إلى نظام صحي متكامل
وفي هذا الصدد، يقول الطبيب والاستاذ في كلية طب الكندي سعد الخزعلي: إن "الخدمة الصحية، تعتبر من الخدمات الأساسية الحياتية في كل المجتمعات، واكد عليها وضمنها دستور العراق، واعتبرها حقا اساسيا من حقوق المواطن على الدولة".
ويضيف الخزعلي في حديث لـ"طريق الشعب"، ان هناك "تحديات صحية كثيرة وامراضا مختلفة مثل الامراض الانتقالية والجراحية والباطنية وغيرها الكثير مما يقاسيه العراقيون، الامر الذي يجعل من المستحيل الموازنة بين الواقع الصحي الراهن وهذه التحديات".
ويشير الخزعلي الى ان هناك "زيادة في عدد السكان، وهذا يضيف اعباء على القطاع الصحي، الذي يحتاج اولا بنى تحتية ومؤسسات متكاملة، وكوادر واجهزة وادوية ومستلزمات وخبرات متنوعة تستطيع ان تغطي الحاجة الصحية التي يفرضها الواقع"، لافتا الى ان هناك مشكلة رئيسة كبيرة، وهي عدم وجود نظام صحي يستطيع ان يقدم افضل خدمة بأقل مقدار ممكن من الهدر في الموارد. حيث لا يوجد لدينا نظام صحي حقيقي يستطيع ان يستوعب هذا الكم من المراجعين ويقدم افضل خدمة يتمناها الاطباء.
وذكر الطبيب ان "المريض قد لا يجد تحاليل او يعاني من زخم المراجعين على طبيب واحد، او ان هناك عمليات لا يمكن اجراؤها في القطاع العام وان كانت متوفرة فانه قد يضطر لان ينتظر فترة طويلة لإجرائها على نفقة الدولة، وهذا يعني ان هناك خللا يحتاج الى معالجة حقيقية".
ويؤكد الخزعلي ان هناك حاجة الى نظام صحي متكامل وفيه جانب تأميني ايضاً، وتوفير بنى تحتية متكاملة، والاهم هو وجود رؤية للتخطيط الصحيح لغرض زيادة اعداد المؤسسات الصحية العامة والتخصصية.
إهمال مقصود
من جهته، قال الطبيب زهير العبودي، ان "القطاع الصحي هو جزء من هذه الدولة التي تعاني مختلف قطاعاتها على مختلف المستويات من مشاكل عديدة، نتيجة الاهمال المتراكم وغياب التخطيط والرؤى الواضحة".
وأضاف في حديث لـ"طريق الشعب"، ان "اهمال الحكومة للقطاع الصحي، يبدأ من اهمال كوادر وعمال هذا القطاع وصعوداً"، معتبرا ان البنى التحتية، وهي ابسط متطلب يحتاجه هذا القطاع، نراها متهالكة وان كان هناك ترميم في بعضها، لكن بشكل عام هذه البنى التحتية تعاني كثيراً، فالمستشفيات متهالكة و قديمة واغلبها مشيدة منذ الثمانينات ولا يوجد اي تطور او توسعة لها، في ظل ما يسميه الاقتصاديون الانفجار السكاني والتنامي الكبير في أعداد الناس.
ويلخص المتحدث مشكلة القطاع الصحي بـ"غياب الرؤية والتخطيط السليم المبني على دراسات وأرقام"، مشيرا الى ان "سوء التوزيع والادارة والفساد المستشري تمثل عوامل سلبية تؤثر بشكل كبير في أداء هذا القطاع الخدمي".
ويعتقد أن هناك اهمالا متعمدا ومقصودا للقطاع الصحي من قبل الحكومة، كما هو حال قطاعي الصناعة والزراعة، ومن قبلها السياحة والتعليم.
تجدر الاشارة الى ان الفساد المالي والإداري يعد عامل رئيسي في تدهور القطاع الصحي، حيث أشارت تقارير دولية إلى أن العراق يُصنف ضمن الدول الأكثر فساداً في العالم، مما ينعكس على كفاءة استخدام الأموال المخصصة للصحة، فيما خصص بين عامي 2003 و2023، مليارات الدولارات للقطاع الصحي، لكن أغلب هذه الأموال ذهبت لجيوب الفاسدين بدلاً من تحسين الخدمات.