اخر الاخبار

يواجه الأشخاص من ذوي الاحتياجات الخاصة في العراق، ظروفاً استثنائية حيث يتعرضون للتهميش الذي يقضي على طموحاتهم ويؤثر سلبًا على حياتهم المهنية والاجتماعية.

كما يُعاني هؤلاء من شح الفرص الوظيفية المناسبة، بالإضافة إلى عدم وجود دعم كافٍ لتسهيل اندماجهم في المجتمع.

إن هذه التحديات تُعزز من خلال غياب الوعي العام حول حقوقهم وضماناتهم القانونية، ما يؤدي إلى تقييد فرصهم في الحصول على التعليم والتدريب اللازمين. كما تُعدّ قلة الإحصاءات الرسمية حول أعدادهم ومعدلات توظيفهم عائقًا أمام تطوير السياسات والبرامج التي تهدف إلى تحسين أوضاعهم الاقتصادية والاجتماعية.

وخلال عام 2019 قدّرت "لجنة حقوق الأشخاص ذوي الإعاقة"، التي تُراقب المعاهدة الدولية ذات الصلة، أن في العراق أحد أكبر أعداد الأشخاص ذوي الإعاقة في العالم، نحو 3 ملايين شخص، نتيجة عقود من النزاعات المسلحة. كما اشارت الى احتجاجات 2019 التي خلفت أيضا نحو 25 ألف جريح، منهم نحو 5 آلاف لديهم إعاقات دائمة.

غياب الأرقام!

يقول القانوني مصطفى البياتي، أن "القانون رقم 38 لسنة 2013 خصص نسبة 5 في المائة من وظائف القطاع العام و3 في المائة من وظائف القطاع الخاص للأشخاص ذوي الإعاقة"، مردفا "لكن أغلب دوائر القطاع العام لا تعمل بهذا القانون".

ويضيف البياتي في حديث لـ "طريق الشعب"، أنه لا يوجد عدد رسمي وواضح عن الأشخاص من ذوي الإعاقة في البلاد أو معدلات توظيفهم، أو أصنافهم، الأمر الذي يزيد من تعقيدات تحسين أوضاعهم الاقتصادية والاجتماعية.

ويتأسف البياتي لعدم تحقيق الوعود القانونية بتوظيف الأشخاص ذوي الإعاقة في العراق، مؤكدا ان "الفجوة بين القانون والممارسة تجعل مئات آلاف العراقيين ذوي الإعاقة يكافحون من أجل كسب لقمة العيش".

ويشير الى وجود مادة قانونية تحاسب صاحب العمل الذي لا يوظف شخصا من ذوي الاحتياجات الخاصة: "يغرم صاحب العمل بمبلغ قدرة 500 ألف دينار عراقي وفق المادة 20 من القانون رقم 38، وبحسب اطلاعنا لا يوجد شخص تم تغريمه الى الان".

وكانت "هيومن رايتس ووتش" أشارت في تقرير لها، الى إن "العراق يتقاعس عن تنفيذ قوانينه الوطنية التي تضمن حقوق العمل للأشخاص ذوي الإعاقة، ما يجعل حصص الوظائف المخصصة للعراقيين ذوي الإعاقة غير مستغلة ويترك مئات الآلاف عاطلين عن العمل".

غياب العدالة

رائد العنبكي، رئيس منظمة اليقين للمكفوفين وضعاف البصر وعضو ممثلية ذوي الإعاقة في محافظة ديالى، تحدث لـ"طريق الشعب"، عن التحديات التي تواجه ذوي الإعاقة.

يقول العنبكي أن "هذه الفئة تعاني من غياب العدالة وصعوبة الوصول إلى الخدمات والبنية التحتية المناسبة، ما يزيد من معاناتهم في الحياة اليومية".

ويضيف أن "ذوي الإعاقة البصرية يواجهون صعوبات كبيرة في التنقل داخل المدينة بسبب غياب الطرق الخاصة بهم، كما أنهم يعانون في صعوبة التعليم، حيث لا تقبلهم سوى كليات العلوم الإنسانية، ما يحد من فرصهم في الحصول على وظائف مناسبة".

ويشير الى أن "بعض المؤسسات الحكومية ترفض توظيفهم بحجة عدم لياقتهم الصحية، حتى وإن كانوا متخصصين أكاديميًا".

وفيما يتعلق بشريحة الصم والبكم، أكد العنبكي أنهم يعانون من نفس التحديات. حيث يتوقف تعليمهم عند المرحلة الابتدائية، ولا يُقبلون في المدارس الثانوية، ما يحد من فرصهم في التعيين داخل المؤسسات الحكومية أو القطاع الخاص، الذي بدوره يمنحهم أجورًا متدنية.

وعلى الرغم من وجود قانون ينص على تخصيص 3 في المائة من الوظائف في القطاع الخاص لذوي الإعاقة، فإن هذه الفئة لا تحظى بالاهتمام الكافي. كما لفت إلى افتقارهم للخدمات المرورية الخاصة التي تساعدهم على التنقل بأمان.

أما ذوو الإعاقة الحركية، فيواجهون تحديات جسيمة بسبب سوء البنية التحتية في العراق، التي لا توفر لهم الطرق الميسرة أو المصاعد، ما يعيق مشاركتهم في سوق العمل. كما أن التنمر والتهميش يزيدان من صعوبة حياتهم، ويؤديان إلى حرمانهم من التعليم والوظائف. فغالبًا ما يتوقف تعليمهم عند المستوى الابتدائي نتيجة لهذه العوائق.

يقول العنبكي، أن "الأشخاص الذين يعانون من متلازمة داون يفتقرون الى وجود معاهد تعليمية متخصصة، ما يجعلهم غير مؤهلين للاندماج في سوق العمل أو استثمار مواهبهم". وتحدث عن وجود فنانين من هذه الفئة يمتلكون مهارات يدوية وفنية، لكنهم محرومون من الفرص المناسبة لتطوير هذه المهارات.

وفي ما يتعلق بطيف التوحد وضمور الدماغ، يذكر العنبكي ان قلة المعاهد التعليمية التي تهتم بهذه الفئة، جعلتهم غير قادرين على إكمال مسيرتهم التعليمية بعد المرحلة الابتدائية، موضحاً أن التكلفة العالية للعناية بهم والتنمر الذي يتعرضون له يزيدان من صعوبة حصولهم على تعليم مناسب أو خدمات تسهل حياتهم اليومية.

وتحدث أيضًا عن قصار القامة، الذين يواجهون صعوبات كبيرة في الوصول إلى الخدمات الحكومية بسبب تصميم البنية التحتية غير الملائم لهم، بالإضافة إلى تعرضهم للتنمر الذي يزيد من معاناتهم، ويحد من فرصهم في التعليم والعمل.

ويلخص العنبكي المشاكل التي يعاني منها ذوو الإعاقة في محافظة ديالى بأنها تتمثل في غياب العدالة، انعدام المساواة، وغياب إمكانية الوصول، مما يجعلهم فئة مهمشة ومعزولة عن المجتمع، دون حصولهم على حقوقهم الأساسية في التعليم والعمل والخدمات الضرورية.

تصورات خاطئة

يقول حسين المعموري من فريق أصدقاء ذوي الهمم: أن ذوي الاحتياجات الخاصة يواجهون العديد من التحديات التي تعيق اندماجهم في سوق العمل. ويعاني الكثير منهم من التمييز الوظيفي، حيث يتم استبعادهم من فرص العمل رغم قدرتهم على أداء المهام المطلوبة، وذلك بسبب التصورات الخاطئة حول قدراتهم وإمكاناتهم. كما أن العديد من الشركات لا توفر فرص عمل ملائمة تناسب احتياجاتهم الخاصة، سواء من حيث بيئة العمل أو نوع المهام.

ويضيف المعموري لـ "طريق الشعب"، أن "نقص التدريب المهني يعد من أبرز القضايا، حيث لا توجد برامج متخصصة تتيح لهم اكتساب المهارات الضرورية. كما يشكل الوصول إلى أماكن العمل تحدياً كبيراً، نظراً لغياب البنية التحتية الملائمة مثل وسائل النقل المجهزة".

وفيما يتعلق بمشكلة ترك التعليم، يحدد المعموري أسبابا عديدة، من بينها نقص الدعم التعليمي وغياب البنية التحتية المناسبة، مثل المصاعد والأدوات المساعدة، ما يصعّب على الطلبة من ذوي الاحتياجات الخاصة التفاعل في بيئات تعليمية تقليدية. كما يواجهون التنمر والتمييز، مما يؤدي إلى إحباطهم ورغبتهم في ترك الدراسة.

ويشير المعموري الى أن البنية التعليمية في النجف تفتقر إلى المدارس والجامعات التي توفر البيئة المناسبة لذوي الإعاقة، حيث إن التركيز على تمكينهم في المؤسسات التعليمية ضعيف جدا.

وبعد التخرج، يواجه ذوو الاحتياجات الخاصة تحديات تتعلق بالفرص الوظيفية، حيث يجد العديد منهم صعوبة في العثور على وظائف تناسب مؤهلاتهم، بالإضافة إلى التمييز في التوظيف.

ويدعو المعموري إلى اتخاذ إجراءات لتحسين وضع ذوي الاحتياجات الخاصة، ومنها فرض تعيينهم في القطاع الخاص من خلال تشريعات تلزم الشركات بتعيين نسبة محددة، وتوفير حوافز ضريبية أو مالية للشركات الملتزمة.

ويشدد على أهمية توفير مصاعد كهربائية في المدارس والجامعات، مع الالتزام بتوفير بنية تحتية ملائمة، مؤكدا ضرورة إعطاء الفرص للكفاءات من ذوي الهمم في مواقع المسؤولية، من خلال تطوير برامج توظيف وتدريب تتيح لهم شغل مناصب قيادية.

ويطالب بإنشاء خدمة اتصال مجانية مخصصة لتقديم الدعم والمشورة لذوي الهمم وأسرهم.

وفي سياق تطوير الخدمات، يدع المعموري إلى تخصيص ميزانية كافية لتحسين الخدمات المقدمة لذوي الاحتياجات الخاصة في المعاهد التعليمية، مع إجراء دراسات منتظمة لقياس مدى رضا الطلاب وأسرهم عن هذه الخدمات. كما يطالب بتشكيل لجان مجتمعية تتألف من أفراد ذوي خبرة وأهالي ذوي الهمم للإشراف على سير العمل في المؤسسات المختصة، وتمكين وسائل الإعلام من لعب دور رقابي من خلال تغطية أوضاع هذه المؤسسات، وتسليط الضوء على النجاحات والتحديات.

ويؤكد المتحدث على أهمية توفير مناطق ترفيهية مخصصة أو مجهزة لاستيعاب ذوي الهمم، وخلق بيئة تشجع على اندماجهم في المجتمع وتعزيز شعورهم بالانتماء.

ويختتم المعموري حديثه بأن تنفيذ هذه الحلول يسهم في تحسين وضع ذوي الاحتياجات الخاصة وتعزيز مشاركتهم الفاعلة في المجتمع، ما يحقق العدالة الاجتماعية، ويدعم اندماجهم في الحياة اليومية.