اخر الاخبار

لفتت الناشطة في شؤون الأقليات، منار الزبيدي، إلى أن “استثناء” الغجر من قانون الجنسية القديم، لم يحل مشكلة التمييز العنصري ضدهم، نتيجة اجتهادات بعض الموظفين في دوائر الدولة، وبيروقراطية العديد من المؤسسات الحكومية فضلا عن التمييز المجتمعي. وفيما أكدت أن بعض مدارس الديوانية يرفض استقبال أطفال الغجر، وأن معاناتهم في محافظة ديالى أكبر، انتقدت بشدة الإهمال والتقصير الحكومي تجاه حقوق هذه الشريحة من المجتمع.

وتختلف الروايات حول أصول الغجر المنتشرين في الشرق الأوسط، لكن ظهورهم في العراق بات ملحوظا بعد الحرب العالمية الأولى. حيث استقروا في مدن ومناطق عدة كالبصرة وذي قار والديوانية والمثنى وديالى ونينوى، وعرفوا بتنقلهم المستمر بين تلك المناطق. وخلال العهد الملكي مُنح الغجر وثائق رسمية، إلا أنه تم وسمهم فيها بعبارة “غجري” التي كانت كفيلة بالتمييز ضدهم في ما يتعلق بالعمل والدراسة والتملك وعقود البيع والشراء وغيرها. كما تعرّض قسم منهم للأذى على أيدي جماعات متطرفة وميليشيات مسلحة بذرائع وحجج مختلفة.

وفي العام 2019 تقرر منح الغجر العراقيين الذين تتراوح أعدادهم بين 50 و70 ألف شخص، البطاقة الوطنية الموحدة، دون تذييلها بإشارة التمييز (غجري) التي كانت تُكتب على وثائقهم الشخصية وفقا لقانون الجنسية القديم، لكن تم وضع مفردة “استثناء” في إشارة إلى استثنائهم من ذلك القانون، وهذه المفردة كانت تُكتب أيضا على هوية الأحوال المدنية التي مُنحت لهم في فترة النظام المباد.

الغجر بشر

في حديث صحفي، تقول الناشطة منار الزبيدي، أن “المجتمع لا يزال يعامل الغجر بطبقية وتمييز، ويعزلهم”، مبينة أنهم أطلقوا في العام 2016 حملة إنسانية تحت عنوان “الغجر بشر”. حيث بدأت الحملة من إحدى قرى الغجر في الديوانية، لتسليط الضوء على معاناة الأطفال وانعكاسات وصمة العار والدونية والعنصرية الاجتماعية على مستقبلهم.

وتلفت إلى ان “الغجر يعانون تمييزا عنصريا على المستويين الاجتماعي والقانوني أيضاً. فقانون الجنسية رقم 26 لعام 2006 لم يعالج مشكلتهم للأسف، لأنه اعتمد على قانون الجنسية القديم، إذ لم يكن هناك أي اهتمام بهذا الملف من قبل المسؤولين والمنظمات الإنسانية كذلك، لكننا تمكنا عبر حملة (أين هويتي) من تحصيل استثناء لهم من القانون”.

وتبيّن الناشطة ان حملة “الغجر بشر” التي لا تزال مستمرة، قادت مع حملتهم الأخرى “أين هويتي”، إلى منح الغجر في الديوانية البطاقة الوطنية الموحدة، بقرار من وزارة الداخلية “لكن لم يتم تعديل قانون الجنسية القديم حتى نضمن حق الأجيال القادمة، لأن قرار الداخلية خضع للمزاج السياسي” – حسب الناشطة.

وتوضح أن “مكسب منح البطاقة الوطنية للغجر، تحقق بالتعاون مع عدد من المسؤولين والناشطين ورجال الدين، وهو مكسب أولي، لكنه مهم، لأنه يحقق لهم بعض فرص العمل بعيداً عن الإذلال والطرد والتمييز العنصري”.

عنصرية السلطات وتمييز الموظفين!

وتشير الناشطة الزبيدي إلى ان “السلطات العراقية، للأسف الشديد، تتعامل مع الغجر بعنصرية أيضاً، وهي مقصرة بشكل كبير تجاه هذه الشريحة. حيث عاملتهم بتمييز وتهميش واضحين بشأن متطلباتهم، لكن بعد انطلاق حملتنا (الغجر بشر) حققنا بعض المكاسب الملموسة مثل افتتاح مدرسة لأطفال قرية الزهور في الديوانية، وهي أول مدرسة للغجر في العراق، فضلاً عن مستوصف صحي صغير”.

وتضيف قائلة أن “هناك مشكلة أخرى متمثلة في عبارة (مستثنى من قانون الجنسية) التي تُكتب على البطاقة الوطنية للغجري. فهذا تمييز أيضا”، منوّهة إلى انه “عملنا على منع كتابة مفردة (غجري) في خانة اللقب، لكن بسبب اجتهادات بعض الموظفين تمت كتابة العبارة مجدداً، لذا لم تُحل مشكلة التمييز”.

وتلفت إلى انه “بعد تخرج بعض الأطفال الغجر في المدرسة الابتدائية التي افتتحناها في قرية الزهور، رفضت المدرسة المتوسطة القريبة من القرية استقبالهم، وجرى تحريض بعض الأهالي من جهات مجهولة على منع قبولهم في المدارس القريبة أيضاً، لكن بعد التعاون مع مدير تربية الديوانية استطعنا تحصيل بعض المقاعد الدراسية لهم”.

عراقيل أمام إحقاق الحقوق

وتؤكد الناشطة الزبيدي انهم يسعون إلى توعية الجيل الجديد من الغجر، شريحة الأطفال على وجه التحديد، بحقوقهم، وحثهم على المطالبة بمكتسباتهم الطبيعية، مستدركة “لكن النظرة الاجتماعية والقوانين النافذة، وبعض التمييز الممارس من مؤسسات الدولة، لا تساعد في ذلك. فهناك بعض العراقيل البيروقراطية التي توضع أمامهم خلال إجراءات استحصال البطاقة الوطنية، مع إنهم يعانون الفقر المدقع، ولا يملكون المال الكافي للمراجعات الحكومية الكثيرة التي تُطلب منهم، وهذا يمنعهم من الحصول على البطاقة أحياناً”.

وتخلص إلى ان “الكثير من معاناة الغجر مسكوت عنها، وهم أنفسهم يخشون الحديث عن كثير من العنف الاجتماعي والرسمي الذي يمارس ضدهم، بسبب الخوف. وربما وضع الغجر في الديوانية أهون بكثير من وضع غجر محافظة ديالى. حيث لا مدارس ولا رعاية صحية، وهناك نساء وشباب محرومون من أبسط مقومات الحياة، فضلاً عن فرص العمل التي قد تساعدهم في توفير متطلبات العيش الكريم”.

سيف مسلط على الرقاب!

يمتلك غازي الناصر، وهو غجري من قرية في محافظة الديوانية، بطاقة أحوال مدنية عراقية، لكنه لا يمتلك بعد “البطاقة الوطنية” التي تعتبر النسخة الأحدث من الوثائق الشخصية في العراق.

ورغم أن محل إصدار البطاقة الوطنية يبعد نحو عشرة كيلومترات عن قريته، إلا ان غازيا يضطر إلى قطع هذه المسافة مشيا لمتابعة معاملته التي تعترضها عراقيل كثيرة.

ويشير غازي إلى ان هوياتهم صدرت خلال حقبة النظام السابق، استثناء من قانون الجنسية العراقية.

ويؤكد في حديث صحفي أن “هناك سيفا يُسلط على رقابنا كُلما احتجنا إلى تحديث مستمسكاتنا، هو وضعنا وتعريفنا ككاولية”!

والكاولية هو الاسم الشعبي العراقي لشريحة الغجر، وهي لفظة تطلق عادة كشتيمة على غير الغجر “لكن بالنسبة لنا، الكل يعرفنا ككاولية، حتى ضابط المركز حينما تأخرت معاملتي واشتكيت، قال لي: موزين انتو كاولية ونطلعلكم هويات” – حسب غازي.

ويشير غازي إلى ان معاملته لا تزال معطلة رغم مرور ثلاثة شهور على تقديمها، لكنه على يقين أن كل المعاملات في العراق تتأخر.

ويقول إن ما يؤلمهم أكثر هو التمييز اللفظي “آني أمشي ساعة ونص، لأن ما عندي أجرة التاكسي، وأكره حافلات النقل العام” بسبب نظرات التمييز.

لا نُريد غير العيش!

أما محسن كاظم، وهو غجري آخر من ديالى، فيقول في حديث صحفي أن “الناس لا يحبون الغجر، والسياسيين يهاجموننا، ونحن لا نريد غير العيش”، مشيرا إلى ان أبناءه لا يمتلكون حتى الآن الجنسية العراقية، بسبب كونهم من أصول غجرية.

وتحمل هويات الأحوال المدنية الخاصة بالغجر كلمة “استثناء”، إشارة إلى استثنائهم من قانون الجنسية العراقية القديم، ورغم أن بطاقة الهوية قانونية ورسمية، إلا ان هذه المفردة “جعلتنا مواطنين من دولة غير موجودة. فلا أحد يوظفنا، ولا أحد يحترم حقوقنا أو يكترث لنا” – حسب محسن.

مع هذا، تعتبر كلمة “استثناء” أفضل من كلمة “غجري” التي كانت تُكتب في خانة اللقب في بطاقات هويات الغجر، وتسبب لهم الكثير من المشكلات!