تعاني العديد من القرى الواقعة على أطراف محافظة كركوك، وخاصة ناحية الزاب، من تحديات صحية وبيئية جسيمة نتيجة لتلوث المياه وتدهور البنية التحتية.
وفي ظل الإهمال الحكومي وقلة الخدمات الأساسية، يعيش السكان وسط أزمات متفاقمة تشمل انتشار الأمراض المزمنة، وخاصة الفشل الكلوي.
وحتى سنة 2005، يعتمد أهالي قرى ضفاف الزاب والتي تشمل "شميط، الصباغية، النميصة، ازرارية، اشريعة، رنجي، وقرى الحلوات" على مياهه وتفرعاته بنحو مباشر، كمصدر رئيس للشرب والاستخدام المنزلي، ومن دون معالجات صحية.
تحديات صحية وبيئية!
يتحدث أحمد سلمان، ناشط من محافظة كركوك، وهو أحد سكان قرية النميصة التابعة لناحية الزاب الواقعة على أطراف المدينة، عن معاناة سكان منطقته نتيجة الإهمال الشديد في توفير الخدمات الأساسية والضرورية.
يقول سلمان: "منطقتنا تقع على أطراف كركوك من جهة صلاح الدين شمالاً وجنوب الموصل، وجميع الخدمات فيها متلكئة، من مشاريع الماء والكهرباء إلى الخدمات العامة. كما أن أقرب مستشفى يبعد عنا حوالي 40 كيلومتراً، ما يزيد من معاناتنا الصحية".
ويضيف سلمان في حديث لـ "طريق الشعب"، أن "أكبر تحدٍ نواجهه هو التحدي الصحي، حيث نعاني من تلوث المياه وانتشار الأمراض المزمنة، أبرزها الفشل الكلوي. في قريتي وحدها سُجّلت 13 حالة فشل كلوي، ونصفهم قد توفوا، بينما اضطر بعض المرضى لإجراء عمليات مكلفة خارج العراق وفي إقليم كردستان، حيث تصل تكلفة العملية الواحدة إلى 60 مليون دينار. والسبب الرئيس لهذه الأمراض هو تلوث المياه، بالإضافة إلى انتشار أمراض جلدية بين السكان".
ويشير سلمان إلى تدهور البنية التحتية في المنطقة قائلاً: إن "الجسر الرابط بيننا وبين قضاء الحويجة تضرر بشدة وأجزاء كبيرة منه سقطت، ما يزيد من صعوبة التنقل والوصول إلى الخدمات. كما أن الوضع البيئي تفاقم بعد حريق كبريت المشراق خلال حرب داعش، ما أدى إلى جفاف الأرض والأشجار وتضرر المحاصيل الزراعية".
وتحتوي قرية النميصة، على 7 مشاريع أهلية، أي سبع مضخات بطاقة 125 حصانا للواحدة منها، تزود كل منها ما يقارب 150 منزلاً بالمياه غير المعالجة، التي تفوح منها في كثير من الأحيان روائح كريهة، لكونها راكدة في حفر.
ويخلص سلمان الى التأكيد على أن "الموقف الحكومي بعيد تماماً عن معاناتنا. لم نرَ أي تدخل فعلي لتحسين الوضع، حتى المركز الصحي الوحيد في الناحية جاء بدعم خارجي، وليس من الحكومة المحلية".
انتشار الأمراض!
وفي السياق ذاته، يقول د. عمار المصطفى رئيس فريق عين الزاب التطوعي للتنمية المستدامة وحقوق الانسان، وهو احد المواطنين المتضررين من مشكلة تلوث نهر دجلة ان "نهر دجلة يعاني من نوعين من التلوث؛ الأول يحدث على جانبي النهر، حيث الضفة الشرقية لكركوك، والضفة الغربية التي تنتمي إلى محافظة صلاح الدين"، مشيرا الى انه "على امتداد الضفتين، نرى آلاف الأطنان من النفايات، فضلات الحيوانات، وجثث الحيوانات النافقة، ما يسبب تلوثا كبيرا في المناطق التي يجب أن تكون أماكن ترفيهية للعائلات".
ويضيف المصطفى لـ "طريق الشعب"، أن "التلوث الآخر يشمل مياه النهر بشكل عام، حيث شهدنا زيادة في الأمراض المزمنة، خاصة أمراض الكلى. على سبيل المثال، قبل عشر سنوات، كان هناك فقط حالتان أو ثلاث حالات مرضية في ناحية يبلغ تعدادها 72 ألف نسمة. أما الآن، ففي مركز ناحية يبلغ عدد سكانه 22 ألف نسمة، توجد أكثر من 100 حالة لأمراض الكلى أو أمراض الدم، وكلها ناتجة عن تلوث المياه والأطعمة".
ويشير المصطفى إلى تأثير التلوث على الزراعة قائلاً: إنه "نتيجة لانتشار الأمراض البيئية، أصبح المزارعون يعزفون عن زراعة محاصيل الخضراوات مثل الرقي، البطيخ، والفلفل، ما أدى إلى ترك الأراضي الزراعية وزحف التصحر عليها. ضعف الرقابة الصحية وعدم مكافحة الأوبئة في القطاع الزراعي يزيد من هذه الأزمة، فضلاً عن ضعف متابعة الثروة الحيوانية".
ويؤشر المتحدث أضرارا بيئية أخرى القول: "هناك مشكلة حرق النفايات التي تنشر الغبار والدخان المحمل بالمواد الكيميائية، والتي تغزو المدينة خاصة عند غروب الشمس".
ويشكو د. عمار الإهمال الملحوظ للقطاع الصحي، موضحاً: أنه "رغم أن هناك فرحة بفتح مركز لغسيل الكلى في المنطقة لتخفيف معاناة المرضى الذين كانوا يضطرون للسفر إلى كركوك لمسافة 120 كيلومتراً، إلا أن الجهات المعنية يغيب عنها البحث عن أسباب المشكلة وإيجاد حلول، او اعداد دراسات بحثية ومحاولة إيجاد حلول جذرية لمنعها من الانتشار".
الناس تدير ملف مياهها
يقول حمزة احمد وهو طبيب من المحافظة، ان "السكان خلال يعتمدون على المشاريع الخاصة منذ سنوات"، موضحا ان هذه المشاريع "تضخ المياه من تفرعات نهر الزاب عبر أنابيب إلى المنازل. يتم تشغيل هذه المضخات بواسطة أحد السكان، الذي يتولى العناية بها وتشغيلها".
ويذكر احمد، ان هذه المشاريع تعتبر غير قانونية من قبل الجهات الحكومية، إلا ان الأخيرة لا تعمل على توفير بدائل بجودة عالية.
ويشير المتحدث في حديث لـ "طريف الشعب"، إلى أن "القرى غير المخدومة بمشاريع الإسالة، أو التي تتوفر فيها مشاريع إسالة، ولكنها تعمل جزئيًا فقط ولا تغطي حاجة السكان، تضطر لاستخدام مياه هذه المضخات غير المعالجة في غسل الثياب وري المزروعات، بل وحتى في الشرب أحيانًا عند الضرورة، رغم تأكيدات مراكز صحية وباحثين أن هذه المياه ملوثة".
ويتابع حمزة "منطقة الحويجة، وناحية الزاب وضفافها خصوصًا، تعد من أكثر المناطق التي يعاني سكانها من أمراض الكلى. ويُرجع السبب إلى استخدام المياه غير المعالجة، التي تحتوي على نسب عالية من الأملاح، وهي تُضخ مباشرة إلى القرى من نهر الزاب".
شرائط الكلور
وفي محاولة لمعالجة جزء من المشكلة، بدأت وزارة الصحة في الآونة الأخيرة بتوزيع "شرائط الكلور" على المواطنين لتعقيم المياه، لكن حمزة يرى أن هذا الحل غير كافٍ، لأن الكلور لا يزيل الشوائب الموجودة في المياه، مشيرا الى ان بعض منظمات المجتمع المدني قامت بتوزيع "فلاتر تصفية" لبعض العائلات، ولكن هذا أيضًا ليس كافيا، لأن العديد من الأسر لا تملك هذه الفلاتر، ما يعرضها لخطر الإصابة بأمراض مختلفة.
ويبين حمزة، انه "حتى في المراكز الصحية يتم استخدام ذات نوعية المياه، مع فارق بسيط، نضع فلتر تصفية لتحسين جودتها".
ويُعتبر نهر الزاب الصغير ثالث أكبر روافد نهر دجلة. ينبع من المرتفعات الواقعة في غرب إيران، على الجانب الشمالي والشمالي الشرقي من سلسلة جبال قنديل. يمتد النهر لمسافة 402 كيلومتر داخل العراق قبل أن يصب في نهر دجلة شمال مدينة بيجي في محافظة صلاح الدين.
ويمر النهر عبر منطقة التون كوبري في محافظة كركوك، ويواصل جريانه نحو الجنوب الغربي لمسافة 8 كيلومترات وصولاً إلى منطقة كيراو، ومن ثم يعبر منطقة البطمة وقرية شريعة، قبل أن يلتقي مع نهر دجلة في منطقة الزوية بالقرب من قرية المخلط، التي تبعد حوالي 35 كيلومتراً جنوب مدينة الشرقاط.