اخر الاخبار

تشهد بغداد ارتفاعاً خياليا في أسعار إيجارات العقارات، سواء بالنسبة للمنازل والشقق أم مكاتب الشركات أم المحال التجارية، الأمر الذي يُرغم الكثيرين على ترك العاصمة واللجوء للسكن أو العمل في أطرافها الإدارية، أو في المحافظات الأخرى. وفيما يذكر متابعون أن الحكومة لم تضع آلية تحدد وفقها أسعار الإيجارات بالشكل الذي يمنع أصحاب العقارات من التلاعب بها وفق أهوائهم، يلفتون إلى أن غسل الأموال دخل على خط تجارة العقارات، وساهم بشكل كبير في رفع أسعارها. 

ولكل منطقة في بغداد أسعارها الخاصة. فسعر إيجار المنزل في حي الكرادة يتراوح بين 800 و1500 دولار شهريا، في حين أن إيجار الشقة يتراوح بين 500 و800 دولار حسب موقعها. لكن الإيجارات في حي اليرموك بجانب الكرخ، أعلى سعراً مما في الكرادة. إذ يصل الإيجار الشهري لبعض المنازل إلى 3 آلاف دولار. في حين تتراجع هذه الأرقام في بعض الأحياء الشعبية والفقيرة، مثل المشتل والشعب والبياع وحي الجهاد وغيرها.

ولا يقتصر ارتفاع أسعار العقارات سواء للإيجار أم للبيع، على بغداد، فالمحافظات الأخرى تعاني هذه الأزمة أيضا، لكن بغداد تتفرد بأسعار خيالية مقارنة بغيرها من المحافظات. إذ يبلغ المعدل الطبيعي لإيجار المنزل أو الشقة في معظم المحافظات 300 دولار أو أقل.

ويُرجع مراقبون ارتفاع أسعار الإيجارات في العاصمة، إلى الكثافة السكانية وأزمة السكن، فضلا عن دخول غسل الأموال على خط تجارة العقارات، ما ساهم في رفع أسعار البيع والإيجار بشكل كبير.

9 ملايين نسمة

وتقدّر الفجوة في قطاع السكن في العراق بأكثر من مليوني وحدة سكنية، لسد الحاجة أو الطلب – حسب تصريحات وزارة التخطيط. بينما يستمر التزايد السكاني بأكثر من مليون نسمة سنويا.

المتحدث باسم وزارة التخطيط عبد الزهرة الهنداوي، يقول في حديث صحفي ان "العاصمة هي الأكثر حاجة للوحدات السكنية مقارنة مع بقية المحافظات، لثقلها السكاني الذي يُقدّر بأكثر من 9 ملايين نسمة"، مبيناً أن "هذه الكثافة تؤدي إلى ولادة العشوائيات في بعض المناطق. كما أنها تزيد من أسعار إيجارات المنازل والشقق. لذلك فإن التوجه الحكومي يمضي باتجاه بناء مدن سكنية جديدة تلبي الحاجة من الوحدات السكنية".

لكن وزارة الإعمار والإسكان سبق أن قدرت حاجة العراق إلى الوحدات السكنية بنحو 3 ملايين وحدة، لتقليل أو معالجة أزمة السكن الخانقة في البلاد، ما يشكل تحدياً مستقبلياً أمام الحكومات في ظل مواصلة الزيادة السكانية.

ودفعت هذه الأزمة الحكومة الحالية إلى إطلاق القروض لبناء الوحدات السكنية، لكن العراقيين يصطدمون بطرق الحصول على قطع الأراضي. فالمناسب والمتوفر غالبا هو الأراضي الزراعية، في حين أن أسعار الأراضي السكنية آخذة في الارتفاع باستمرار.

أما المجمعات السكنية التي بُنيت خلال السنوات الأخيرة، فلا يرى الكثيرون من المواطنين انها جاءت للتخفيف من أزمة السكن. إذ يؤكدون عبر وسائل الإعلام، أن أسعار الوحدات السكنية في تلك المجمعات غير مناسبة أبدا للمواطن الفقير، ولا حتى لذي الدخل المحدود.

غسل الأموال

من جانبه، يقول المواطن فلاح علي، الذي يسكن في بيت مستأجر في المنصور، ان "الإيجارات مرتفعة جداً في بغداد، مقارنة مع أربيل. فسعر إيجار المنزل يصل إلى ألف دولار، بينما في إقليم كردستان فلا يتجاوز 400 دولار"، لافتا في حديث لوكالة أنباء "العربي الجديد"، أن "جهات متنفذة تسببت في صعود أسعار بيع المنازل وإيجارها، بعد أن استولت على قطاع العقارات وصارت تشتري أعداداً كبيرة من المنازل في المناطق الراقية في سبيل غسل أموالها المسروقة من المال العام".

ويضيف علي قوله أن "الحكومات لم تفكر في وضع آلية لتوحيد أو تنظيم عملية بيع وإيجار المنازل والمحال التجارية أو العقارات بشكل عام، بل ان هناك أحزابا مشاركة في الحكومة انصرفت إلى استغلال موارد الدولة وتحويلها إلى ملكيات خاصة، ثم شراء العقارات بمبالغ عالية، ما أدى إلى ارتفاع اسعارها".

جشع واشتراطات

المواطن محمد علي شهاب، يتحدث بدوره عن محنته مع البحث عن منزل أو شقة سكنية للإيجار في بغداد، مبينا أن الكثيرين من أصحاب العقارات يشترطون على المستئجر أن يكون موظفا يتسلم راتبا شهريا، وهذا ما يجعل الكادحين وأصحاب الأجور اليومية والأعمال الحرة، يعانون كثيرا في الحصول على سكن.

وعن أسعار الإيجارات، يذكر لـ"طريق الشعب"، انها خيالية حتى في المناطق التي تفتقر للخدمات، مبينا أن "غلاء أسعار بيع العقارات وإيجارها، غير مرتبط فقط بأهواء مالكي العقارات، إنما بجشع أصحاب مكاتب الدلالية، الذين بالإضافة إلى رسم التوسط في البيع والشراء أو الاستئجار (الدلالية)، والذي يأخذونه من الطرفين، يفرضون أحيانا على المشتري أو المستئجر، مبلغا يضيفونه على سعر العقار، بالاتفاق مع صاحبه، من أجل الحصول على فائدة أكبر".

ويتحدث شهاب عن معضلات استئجار الشقق السكنية في المباني العمودية، مشيرا إلى ان بعض أصحاب المباني يفرضون على المستئجر، إضافة إلى مبلغ الإيجار، مبلغا يصل إلى 50 ألف دينار شهريا، رسما على خدمة المصعد أو غيره من الخدمات، التي لا تتوفر غالبا"!

السكن منخفض الكلفة

حسب وزارة الإعمار والإسكان فإنّ العمل جارٍ على إتمام 16 مشروعاً سكنياً، ضمن السكن منخفض الكلفة. ويتم توزيع الوحدات السكنية المنجزة لهذه المشاريع ضمن الفئات المحددة في مجلس الإسكان الوطني، وهي شرائح من الموظفين أصحاب الدخل المتوسط.

وتتحدث الوزارة عن جيلين من المدن السكنية الجديدة، الأول يشمل خمس مدن: "الجواهري وعلي الوردي في بغداد، والغزلاني في الموصل، ضفاف كربلاء في كربلاء، والجنائن في بابل". وهذه المدن ستدعم قطاع الإسكان بأكثر من 225 ألف وحدة سكنية.

أما الجيل الثاني، فيكون بواقع 6 مدن، هي: "المجر الكبير في ميسان، الوركاء في المثنى، البلد في صلاح الدين، أور في ذي قار، السلام في النجف، والمتنبي في واسط".  وتسعى الوزارة إلى توفير عدد كبير من الوحدات السكنية المستدامة، ضمن مدن تتكامل فيها استعمالات الأرض الحضرية مع أساس اقتصادي، فضلا عن المساهمة في سحب الكثافات السكانية العالية من داخل المراكز إلى تلك المدن الجديدة.

المال السياسي

إلى ذلك، يقول الباحث محمد عمران، ان "الحكومة لا تلتزم بأي قانون ينظم آليات بيع العقارات وإيجارها. فهناك تفاوت كبير ما بين منطقة وأخرى، مع العلم أن غالبية المناطق تخلو من الخدمات، بما فيها المناطق الراقية، لكن المال السياسي هو الذي يحرك هذا الملف"، منوّها في حديث صحفي إلى أن "هناك حاجة فعلية لوضع آليات تمنع أصحاب الأملاك من رفع أسعار الإيجارات سنوياً".

ويُعد السكن حقاً مشروعاً مكفولاً في الدستور العراقي. حيث أوجبت المادة 30 منه على الدولة، الضمان الاجتماعي والصحي للمواطن، وتأمين السكن والدخل المناسبين له، لكن هذا الحق لا يحصل عليه العراقيون، بل إنّ مطلب السكن والحياة الكريمة يكون من أساسيات مطالبهم في الاحتجاجات التي تندلع بين حين وآخر.

وحسب الخبير القانوني علي التميمي، فإن "ارتفاع أسعار الإيجارات يحتاج إلى قانون، وإن العراق يعد أعلى دولة في العالم من حيث أسعار الإيجار والسكن، وإن القضاء على هذه الظاهرة يكون عبر جعل نسبة الإيجار ملائمة لدخل المواطن"، موضحاً في حديث صحفي أن "ارتفاع أسعار الإيجارات سبّب الكثير من حالات الانتحار والطلاق"!