تُعتبر النفايات الطبية أحد أخطر الملوثات البيئية في العراق، لما تحمله من أوبئة وأمراض انتقالية وجراثيم وفيروسات. وتطرح المستشفيات، حكومية كانت أم أهلية، يوميا آلاف الأطنان من تلك المخلفات، التي تجري معالجتها حرقا بواسطة محارق خاصة. فيما تشرع العيادات والمختبرات الخاصة بطرح مخلفاتها دون أدنى معالجة تستوفي شروط السلامة البيئية، الأمر الذي ينتهي إلى رميها في الشوارع والساحات العامة أو في حاويات جمع النفايات المنزلية، أو الحرق بطريقة بدائية.
وتزداد خطورة تلك النفايات عند حرقها، نظرا لما تخلفه من أدخنة موبوءة. وكثيرا ما يشتكي مواطنون عبر وسائل إعلام، من أدخنة خانقة سامة تصدر عن عمليات حرق النفايات، ومنها النفايات الطبية.
ووفقا لاختصاصيين في المجال البيئي، فإن الأخطر من النفايات الطبية الناتجة عن المؤسسات الصحية، تلك الناتجة عن العيادات والمختبرات الأهلية. فالأولى قد يتم التخلص منها بعد معالجتها نوعا ما، أما الأخرى فغالبا ما ترمى عشوائيا في الأماكن المكشوفة مع النفايات المنزلية، مؤكدين أن هذا الأمر شائع في بغداد ومختلف مدن البلاد، وكثيرا ما ترصده وسائل إعلام ومدونون على مواقع التواصل الاجتماعي.
وتحمل النفايات الطبية، خاصة الناتجة عن العمليات الجراحية والمرضى المصابين بالفيروسات المعدية، كائنات مجهرية قادرة على نقل العدوى إلى عامة الناس. وعالميا، يتم التعامل مع هذه النفايات بإحدى الطريقتين: أما الحرق، وهذه متبعة على نطاق واسع في العراق، أو وضع النفايات في جهاز فرم خاص يحتوي على مواد تعقيم. وهي الطريقة الأكثر أمانا كونها صديقة للبيئة.
مصدر معيشة للفقراء
سائق الستوتة محمود غالب (12 عاما)، يقول في حديث صحفي انه يعمل في جميع النفايات الطبية من عيادات أهلية. إذ يضعها في أكياس نهاية كل يوم، وينقلها بالستوتة مقابل مبلغ بسيط يتراوح بين 5 و7 آلاف دينار.
ويضيف قائلا أنه عند حلول الليل يقوم برمي المخلفات في ساحة عامة، ثم يحرقها وينسحب، مستدركا “لكنني لا أحرق النفايات دائما، فأحيانا أضعها داخل أكياس وأرميها في أماكن جمع النفايات”.
ويلفت إلى ان هناك من يبحث في تلك النفايات عن قطع معدنية أو مواد قابلة للبيع، بعد أن ينثر محتويات الأكياس على الأرض!
ويخلي غالب مسؤوليته من التلوث البيئي الناتج عن طرح النفايات الطبية بهذه الطريقة. ويقول: “لا علاقة لي بتلوث البيئة. فأنا وآخرون غيري، نعمل في هذه المهنة. وبالنسبة لي غالبا ما أحرق تلك النفايات، وبالتالي أقلل من خطورة التلوث البيئي”!
ويوضح أن “النفايات أصبحت مصدر معيشة للكثيرين من أصحاب الستوتات. فنحن نجاهد في سبيل توفير لقمة العيش لعائلاتنا، ولا علاقة لنا بالتلوث البيئي”!
عمّال النظافة في قلب الخطر!
من جانبه، يقول المواطن محمد علي شهاب، وهو من قضاء الصويرة شمالي واسط، أنه خلال مراجعته عيادات ومختبرات طبية، سواء في مدينته أم في بغداد أم في مدن أخرى قريبة، كثيرا ما يشاهد أناسا يرمون نفايات طبية في حاويات مخصصة لجمع النفايات المنزلية أو في ساحات فارغة حوّلها الأهالي إلى مكبات للنفايات، مبينا في حديث لـ”طريق الشعب”، أن “هذه النفايات ترمى دون معالجة رغم كونها ملوّثة بالجراثيم والفيروسات، ناهيك عن احتوائها على أدوات جارحة كالحقن والمشارط.. كل ذلك يجري أمام مرأى الجميع، ودون رقيب أو حسيب”.
ويلفت إلى ان “الحيوانات السائبة تعبث بأكياس النفايات وتنثر محتوياتها على الأرض، وبالتالي يضطر عمال النظافة إلى جمعها بأيديهم، ما يجعلهم عرضة للإصابة بالفيروسات والأوبئة الخطيرة”، مشيرا إلى ان هناك أطفالا يعبثون بتلك النفايات، ويستخدمونها كأدوات للهو، ومنها أجهزة الإعطاء والحقن والمشارط.
مواد كيميائية مشعة!
في حديث صحفي سابق، يقول الخبير البيئي أيمن قدوري، أن “النفايات الطبية تعد من أخطر مصادر التلوث البيئي لما تحويه من مواد كيميائية مشعة وسامة، وأن سوء التعامل معها يحولها إلى غازات تنطلق في الهواء”.
ويشير إلى انه “في بغداد تحديدا، ترصد يوما عمليات طرح عشوائي للمخلفات الطبية دون معالجة أو فصل، و أخطرها تلك التي ترمى في نهر دجلة”، لافتا أن بعض المؤسسات الصحية والعيادات تُعامل هذه المخلفات كالنفايات المنزلية، وتطرحها في مناطق مكشوفة لا تتوفر فيها أدنى مقومات الطمر الصحي.
وعن جدوى حرق النفايات الطبية، يرى قدوري أن “بعض تلك النفايات لا يتلف بالحرق، خصوصا النفايات التي تحتوي على الكلور والرصاص والزئبق والكاديميوم. فهذه تُطلق عملية حرقها غازات سامة ومسرطنة في الهواء”، مبينا أن “الطريقة المثلى للتعامل مع المخلفات الطبية تبدأ بفرزها على أساس النوعية والخطورة، والتعامل مع كل نوع وفق معايير تناسبه”.
ويضيف قائلا أن “حرق تلك النفايات يجب أن يتم في محارق مزودة بمعدات للتخلص من الغازات المتحررة منها، كمعدات التعقيم عالي الضغط والمعالجة الكيميائية التي لا ينتج عنها تحرر غازات سامة في الهواء”، مشددا على أهمية حماية عمال النظافة من خطورة تلك المواد “فهم أكثر المعرضين لخطورتها كونهم يتعاملون معها بشكل مباشر، ومنها الإبر والأدوات الحادة”.