يرجع ارتفاع نسب الأمية في العراق إلى مجموعة من العوامل المتشابكة، بما في ذلك الحروب والصراعات والحصار الذي عانى منه البلد، وما خلفته هذه الظروف من مشاكل اجتماعية واقتصادية حالت دون إكمال الكثير من الأفراد لتعليمهم. وبرغم أن العراق قد سنّ قوانين ومواد دستورية تضمن حق التعليم لجميع الأفراد وتحدد الزامية التعليم ومجانيته، فإن عدم تطبيق هذه النصوص بشكل فعّال أسهم في تفاقم مشكلة الأمية في البلاد.
وتعد الفتيات الشريحة الأكثر تعرضا للأمية، حيث تواجه العديد منهن عوائق متعددة تحول دون استكمال تعليمهن، بما في ذلك التقاليد المجتمعية والتمييز بين الجنسين والعقبات الاقتصادية.
ووفقا لرئيس الوزراء السابق، مصطفى الكاظمي، فإن الفساد في قطاع التربية خلال العقدين الماضيين، أبرز أسباب تدني مستوى التعليم، يرافقه سوء الإدارة وغياب الكوادر التربوية الحقيقية.
الجهاز التنفيذي لمحو الأمية
في مسعى للحد من الأمية والعمل على معالجتها، سن البرلمان قانون محو الأمية رقم 23 لسنة 2011، حيث شكلت هيئة عليا لمحو الأمية، مع استحداث جهاز تنفيذ ضمن وزارة التربية للإشراف على تطبيق القانون من خلال مدارس محو الأمية التي تستقبل الفئات العمرية لمن هم في سن 15 عاما وأكثر.
وقال المتحدث باسم وزارة التربية كريم السيد، إن "الوزارة تبذل جهودًا كبيرة من خلال الجهاز التنفيذي لمحو الأمية لتعليم الكبار وتحقيق تقدم ملحوظ في هذا المجال"، موضحاً أنه "منذ عام 2011 وحتى الآن، انضم أكثر من مليوني طالب إلى مراكز الوزارة المنتشرة في عموم العراق، والبالغ عددها أكثر من 1250 مركزا. وتقدم هذه المراكز خدمات تربوية وتعليمية للأفراد الذين لم تتح لهم فرصة التعليم، مع التركيز على تعليمهم القراءة والكتابة".
وأضاف السيد في حديث خص به "طريق الشعب"، أن "الوزارة تهتم أيضا بتعليم المهارات المهنية، لا سيما للنساء، مثل الخياطة والحياكة وغيرها من المهن التي تسهم في تمكينهم في حياتهم اليومية، إلى جانب تعليمهم الأساسيات الأكاديمية".
وتابع أنه "في إطار التطوير المستمر تعمل وزارة التربية بالتعاون مع الجهاز التنفيذي لمحو الأمية على مراجعة وتعديل التشريعات الخاصة برعاية خريجي برامج محو الأمية والتعليم المسرع، بهدف تمكينهم من مواصلة تعليمهم حتى الوصول إلى المرحلة الجامعية، وضمان عدم إهدار الفرصة التعليمية التي حصلوا عليها في المراحل الأولى".
وأشار السيد إلى "وجود العديد من قصص النجاح الملهمة لأشخاص تمكنوا من مواصلة مسيرتهم التعليمية حتى وصلوا إلى مناصب متقدمة"، كما شدد على أن "الوزارة مستمرة في توسيع مراكز محو الأمية والمدارس في جميع أنحاء البلاد".
وفي ما يتعلق بإحصائيات الأمية، أوضح السيد أن هذه "الإحصائيات تعتمد على تقديرات وزارة التخطيط والمسوح التي تقوم بها"، مشيرا إلى أن الوزارة تعتزم المساهمة في هذا المجال، مع توقع الحصول على إحصاءات أكثر دقة عند إجراء التعداد السكاني المقبل بالتعاون مع وزارة التخطيط.
وأكد في ختام حديثه أن "الوزارة تعمل بكل جهدها لتحقيق تقدم أكبر في هذا الملف خلال السنوات القادمة".
الحكومة
إلهام قدوري، رئيسة إحدى منظمات المجتمع المدني، قالت إن "الجهل هو مرض يهدد مصير أمة كاملة"، مشددة على أن "التعليم هو أساس بناء المجتمع".
وأوضحت قدوري خلال حديثها مع "طريق الشعب"، أن "العراق تعرض لتداعيات سلبية جراء الحروب والهجمات المتكررة، إضافة إلى فساد الحكومات المتعاقبة التي لم تولِ أهمية كافية لوعي وتثقيف المجتمع".
وتجد قدوري، أن "الحكومات لو كانت حريصة على تنمية المجتمع لوجدناها تهتم بالتعليم بشكل جاد"، معتبرة أن "انتشار المدارس الأهلية يعد أحد مظاهر التفاوت الطبقي، حيث يتمكن فقط الميسورون من تسجيل أبنائهم في هذه المدارس. بينما تبقى الأغلبية غير قادرة على الحصول على التعليم الجيد".
وعدت أن "زواج القاصرات يشكل أحد الأسباب الأخرى التي تدفع الفتيات لترك التعليم، حيث يتعرضن لمشاكل في سن صغيرة تمنعهن من إكمال دراستهن". كما أن الأوضاع الاقتصادية المتردية تلعب دورًا كبيرًا في تفاقم المشكلة، حيث أن العديد من العائلات لا تستطيع توفير المستلزمات الدراسية لأبنائها بسبب ضيق الحال.
وختمت قدوري بالتأكيد على أن السبب الرئيس في تفشي الجهل والتخلف في العراق هو "الحكومة نفسها"، مشددة على أهمية دعم التعليم وتثقيف المجتمع للنهوض بالبلاد.
برامج حكومية
من جانبها، قالت الناشطة والتدريسية آيات البرزنجي، أن الأمية في العراق تمثل "تحديًا كبيرًا ناتجًا عن عدة عوامل متشابكة"، موضحة أن "الحروب والصراعات التي شهدتها البلاد، بدءًا من حرب الخليج مرورًا بالغزو الأمريكي والحرب ضد داعش، أدت إلى تدمير البنية التحتية التعليمية وتراجع النظام التعليمي بشكل عام".
وأشارت البرزنجي في حديث لـ "طريق الشعب"، إلى أن "الفقر والبطالة في البلاد يجبران العديد من الأسر على إرسال أبنائها للعمل بدلًا من تلقي التعليم، ما يزيد من تفاقم الأمية".
وأضافت البرزنجي، أن "نقص المدارس والمعلمين المؤهلين، خصوصًا في المناطق الريفية، يعيق تقديم تعليم جيد للأطفال والشباب، إلى جانب العوامل الثقافية والاجتماعية التي تؤدي إلى منع الفتيات من الالتحاق بالمدارس في بعض المجتمعات، ما يسهم في ارتفاع نسب الأمية بين النساء".
وفيما يتعلق بإجراءات الحكومة لمكافحة الأمية، بينت البرزنجي أن "الحكومة العراقية أطلقت عدة برامج مثل حملات تعليم الكبار، ولكنها لم تحقق النجاح المطلوب نظرًا لنقص التمويل والتحديات الاقتصادية التي تواجه البلاد".
وأكدت، أن البيروقراطية والروتين الحكومي، بالإضافة إلى عدم التنسيق بين المؤسسات المختلفة، يقف حائلًا أمام تحقيق الجدوى من تلك البرامج.
وفي ختام تصريحها، شددت البرزنجي على أن المؤسسات الحكومية وحدها قد لا تكون كافية لمواجهة هذه الظاهرة المعقدة، وأن هناك حاجة ماسة لتعاون أكبر بين القطاعين العام والخاص، بالإضافة إلى دور منظمات المجتمع المدني، من أجل تعزيز الجهود المشتركة لمحو الأمية وتحسين مستوى التعليم في العراق.
10 ملايين أميّ
ورغم عدم وجود أي إحصاءات رسمية تكشف أعداد الأميين في العراق لغياب التعداد العام، فإنه حسب إحصاءات نشرتها نقابة المعلمين العراقيين في وقت سابق، بلغت نسبة الأمية أكثر من 10 ملايين.
تقول أروين عزيز، ناشطة في مجال التعليم، إن "قطاع التعليم في العراق لا يخلو من شبهات الفساد والمحسوبية، مثلما هو الحال في معظم القطاعات الأخرى في البلد. ولا يمكن حصر أسباب زيادة الأمية في العراق بعامل واحد فقط، إذ ساهمت السياسة والاقتصاد والحروب في تفاقم هذه المشكلة، بالإضافة إلى ضعف دور الجهات الحكومية في معالجتها".
وأضافت في حديثها لـ"طريق الشعب"، أن "العراق يمتلك تشريعات تلزمه بتوفير التعليم للجميع، مع التركيز على مكافحة الأمية وتقديم التعليم المجاني وضمان الجودة في جميع مراحله". لكنها استدركت قائلة: "رغم ذلك، لم يسع العراق بشكل كافٍ لتطبيق هذه القوانين، بما في ذلك جعل التعليم الزاميا، ما خلق فجوة طبقية بين شرائح المجتمع، حيث تمكن البعض من إتمام تعليمهم بينما بقي آخرون ضمن شريحة الأميين".
وتبين عزيز، أن "العراق متأخر في مجال التعليم، خاصة في المناطق الريفية والقرى حيث لا تزال الوسائل التعليمية تقليدية وغائبة في كثير من الأحيان". كما أشارت إلى أن "نسب الأمية ترتفع بين النساء بسبب العادات الاجتماعية التي لا تزال تنظر إلى المرأة بشكل دوني، وأن زواج القاصرات فاقم من هذه المشكلة".
وفي إطار تنظيم التعليم، يحدد قانون وزارة التربية رقم 22 لسنة 2011 الإطار التشريعي لمراحل التعليم. وتنص المادة 11 من هذا القانون على أن التعليم الابتدائي يجب أن يكون عامًا وموحدًا وإلزاميًا للأطفال الذين يكملون السادسة من العمر عند بدء السنة الدراسية أو في الحادي والثلاثين من شهر كانون الأول من تلك السنة. كما يسمح القانون بمد الإلزام إلى التعليم المتوسط عند توفر الإمكانات اللازمة. بالإضافة إلى ذلك، توكل المادة 18 للوزارة مسؤولية وضع الخطط والمناهج الدراسية، وتطويرها ومتابعة تنفيذها، وتوفير الوسائل والأساليب الضرورية لتحقيق الأهداف التعليمية.
وبتاريخ 8 أيلول من كل عام، تُقام الاحتفالات السنوية باليوم الدولي لمحو الأمية في جميع أنحاء العالم منذ عام 1967، ويكمن الهدف من هذا اليوم في تذكير واضعي السياسات والأخصائيين وعموم الجمهور بأهمية محو الأمية الحاسمة لإنشاء مجتمعات أكثر استدامة وعدلاً وسلاماً وإلماماً بمهارات القراءة والكتابة.