فقد الثلاثيني عقيل حسين عقيل اثنين من أصابع كفه اليسرى كما بات يعاني حروقاً من الدرجتين الثانية والثالثة في اليدين وقدمه اليمنى، نتيجة إصابته بصعقة كهربائية في العام الماضي، أثناء عمله في ورشة لتصليح السيارات، واكتفى صاحب العمل بنقله إلى المستشفى ودفع تكاليف إسعافه، رافضاً القيام بواجبه وتغطية نفقات العمليات الجراحية اللازمة من أجل الترقيع الجلدي وبتر الأصابع وغيرها من مستلزمات العلاج.
وما فاقم حالة عقيل الصحية والنفسية، بعد إصابته بإعاقة جزئية باتت تمنعه من إيجاد عمل بديل يعيل به أسرته، عدم حصوله على أي تعويض مالي، لأن صاحب العمل، وببساطة وكحال الكثيرين من عمال القطاع الخاص، لم يسجله مع زملائه في الضمان الاجتماعي للعمال.
مركز مهم، ولكن!
إن معاناة عمال القطاع الخاص من غياب متطلبات الصحة والسلامة المهنية باتت مشكلة كبيرة، على الرغم من توفر مركز وطني خاص بالصحة والسلامة المهنية تابع إلى وزارة العمل والشؤون الاجتماعية. وفي لقاء لنا مع المدير العام للمركز المهندس مشرق عبد الخالق فليح، علمنا بأن "المركز يعمل وفق قانون العامل النافذ وأن هناك لجان تفتيش تطلقها وزارة العمل مهمتها الكشف على مواقع العمل ورصد المخالفين".
وأفاد المهندس فليح لـ "طريق الشعب"، "إن القانون ألزم أصحاب العمل في قطاع الخاص توفير متطلبات الصحة والسلامة المهنية إلى العمال، ومع ذلك فما يجري اليوم هو دون مستوى الطموح نتيجة عدم وجود قانون خاص بمتطلبات الصحة والسلامة المهنية". وأضاف بأنهم عملوا مؤخرا على "مفاتحة رئيس الوزراء محمد شياع السوداني للعمل على صياغة مسودة قانون خاص بمتطلبات الصحة والسلامة المهنية".
وبخصوص أعداد الإصابات السنوية، يرى مدير المركز أنها وإن توفرت فهي "غير دقيقة ولا تنسجم مع أعداد الإصابات التي تردنا يوميا من المراكز الصحية". وحول إجراءاتهم بهذا الخصوص أفاد أنهم يسعون مع منظمة العمل الدولية لايجاد آلية دقيقة لإحصاء إصابات العمل السنوية والعمل على معالجتها فضلا عن وضع البرامج الكفيلة بالحد منها. ويعزو المهندس عبد الخالق فليح، أسباب زيادة الإصابات والوفيات إلى الانفتاح الكبير في المشاريع الاقتصادية والاستثمارية بعد عام 2003، مشيراً إلى عدم الاهتمام بتطبيق تعليمات السلامة والصحة المهنية لوقاية العمال من أخطار إصابات العمل اليومية وعدم التزام مسؤولي السلامة المهنية في مواقع العمل بمتابعة شروط السلامة بشكل فاعل.
ضعف الرقابة
وتعزو منظمة العمل الدولية، في تقرير لها بعنوان جدليات الحماية الاجتماعية والضمان الاجتماعي والتشغيل في العراق، المنشور في 22 تموز 2022، ضعف التزام المؤسسات بالقانون إلى ضعف التفتيش وقلة الدعم المخصص له ونقص عدد المفتشين في الوزارة وتمركز نصفهم في بغداد.
ونقلت وكالات الأخبار، مؤخرا، عن أن صخرة كبيرة سقطت على عاملين كانا في شق أرضي أثناء العمل مع شركة للمقاولات تنفذ مشروع مجارٍ غرب بعقوبة في محافظة ديالى، حيث أدى الحادث إلى مقتل أحد العاملين وكان شاباً يبلغ من العمر 26 سنة، نتيجة تهشم جمجمته وإصابة الآخر بجروح وكسور شديدة وكان هو الآخر شاباً صغيراً لم يتجاوز عمره 19 سنة.
الضمان الإلزامي
في هذا السياق، يفيد رئيس المرصد العراقي لحقوق العمال والموظفين عباس كاظم رباط أن "ما يتعرض له العمال يوميا من إصابات عمل بليغة خلق حاجة ملحة إلى إلزام شمول عمال المهن الحرة بالضمان الصحي، فضلا عن ضرورة إلزام أرباب العمل بتوفير متطلبات الصحة والسلامة المهنية"
وعن عمال القطاع الخاص يقول رباط لـ"طريق الشعب" إن "أغلب أرباب العمل لا يعيرون أهمية بتوفير متطلبات السلامة للعمال، فضلا عن عدم شمول الكثير منهم بالضمان الاجتماعي مستغلين في ذلك ضعف الرقابة التي تقع مسؤولية تحقيقها على وزارة العمل والشؤون الاجتماعية".
ويذكر رباط أنه بحسب رصد المرصد العمالي فان قطاعات العمل بصورة عامة لا تعير أهمية لسلامة العاملين، وأن أغلب مؤسسات العمل تتعامل مع قسم الصحة والسلامة المهنية على أنه قسم ثانوي" موضحا في هذا الخصوص أن "أقسام الصحة والسلامة المهنية تتضمن كوادر غير كفوءة وغير متخصصة، وبعض الدوائر تعمل على توظيف من هم يعانون من ظروف صحية سيئة في قسم السلامة وبالتالي يكونون عاجزين عن تقديم المساعدة".