اخر الاخبار

كشفت مجلة ذي لا نست The Lancet، الطبية البريطانية في تقرير لها، عن ان هناك ما يزيد على 20 في المائة من العراقيين يعانون من امراض نفسية وعقلية، جراء سنوات من الحروب والتهجير وعدم الاستقرار في وقت لا توجد فيه سوى ستة مستشفيات فقط في العراق للعلاج النفسي لا يمكنها مواكبة تزايد التعداد السكاني مع نقص حاد في أخصائيي الرعاية والعلاج النفسي بواقع 0.34 طبيب اختصاص فقط لكل 100 ألف شخص.

معنيون ومختصون أكدوا ما أورده التقرير البريطاني، وارجعوا ذلك الى ان هذا التخصص رغم اهميته الا انه ليس ذا اولوية في العراق، مشددين على ضرورة تصحيح النظرة الخاطئة لهذا التخصص وتصويبها والاهتمام بإعداد كوادر طبية متخصصة.

 20 في المائة مرضى

يذكر التقرير ان الصحة النفسية في العراق، عبر العشرين سنة الماضية، شكلت معضلة يصعب حلها في بلد واجه حروبا ونزاعات وعدم استقرار سياسي، فضلا عن ذلك فان العراق قد واجه عقبات ضخمة اثرت على الوضع النفسي للعراقيين، حيث ان ما يزيد على 20 في المائة من العراقيين يعانون من امراض نفسية، وان هذه النسبة في تزايد مستمر.

ويشير تقرير المجلة الطبية البريطانية الى ان حالات الخوف والصدمات النفسية انتشرت بعد ان ضاعفت الحرب من معدلات العنف في البلاد خلال تلك الفترة مثل التفجيرات وحالات إطلاق النار وعمليات الاختطاف. ملايين العراقيين تم تهجيرهم من بيوتهم واحيائهم السكنية كسبب مباشر للحرب. وقد لوحظ تزايد في معدلات الإصابة بالكآبة والإحباط والفزع والاضطرابات النفسية بين العراقيين الذين تم اقتلاعهم من بيوتهم وفقدوا اصدقاءهم واقاربهم واحباءهم. واستنادا لدراسة أجريت في بغداد، فان نسبة كبيرة من النساء 91.1 في المائة كن يعانين عبر العقدين الماضيين من صدمات نفسية ناجمة عن الحرب.

واشار الى ان منظومة العلاج النفسي في العراق لم تتم تهيئتها على نحو صحيح. العراق مرر تشريعا يحكم الصحة النفسية في العراق عام 2005، ولكن لم يتم تفعيله على نحو كامل حتى الان. وهناك ستة مستشفيات فقط مخصصة للعلاج النفسي في العراق (اثنان في بغداد وأربعة في كردستان) والتي لا تلبي الحد الأدنى من الحاجة. ونسبة أطباء العلاج النفسي هم بحدود طبيب مختص 1 لكل 100 ألف شخص من تعداد السكان.

تذكر المجلة في تقريرها ان هناك عدة مصاعب تواجه كوادر الصحة النفسية، من بينها غياب تدريب فعال وصعوبة الحصول على موارد وهناك نظرة اجتماعية سلبية تجاه التعامل مع الأطباء المختصين بالصحة العقلية والنفسية.

 غياب تام لآليات الحماية

في هذا الصدد، قال رئيس مجموعة مدافعون لحقوق الإنسان الدولية، د. علي البياتي، ان الظروف الصعبة التي عاشها العراق والحروب والمآسي، خلفت ضحايا كثر لديهم مشاكل نفسية، ويحتاجون الى العلاج والرعاية النفسية، وهذه الخدمات بكل تأكيد لا يمكن ان تقدم الا من خلال مؤسسات صحية مختصة واليات مدروسة.

واوضح في حديثه مع «طريق الشعب»، قائلا «نعم، قد تكون هناك بعض البرامج والورش بشكل نظري، الا انه على الصعيد الميداني لا يوجد عمل حقيقي لا من خلال مؤسسات قادرة على القيام بهذا الدور ولا موارد بشرية، او حتى وجود جهود للتعامل مع هذا الكم الهائل، اذ نتحدث عن نسبة لا تقل عن 50 في المائة من العراقيين بحاجة الى رعاية صحية من هذا النوع».

واردف البياتي وهو مؤسس مشروع صحتك أهم للدعم النفسي الافتراضي المجاني بالقول ان «المريض الذي يعاني من مشاكل نفسية في العراق يتم التعامل معه بشكل مختلف، ويعاني من وصمة اجتماعية تؤثر عليه، في ظل غياب تام لآليات الحماية، فالكثير من المرضى النفسيين يتم ارسالهم الى المستشفى النفسي، للخلاص منهم لا بهدف علاجهم، انما الخدمات الموجودة هناك غير مفيدة او كاملة».

 بحاجة الى عمل مؤسساتي

ونبّه في السياق الى ان «المؤسسة الصحية والطبية حالها حال بقية المؤسسات الخدمية الاخرى في البلاد، فاذا اردنا ان نحافظ على جودة الخدمات المقدمة وحقوق المستفيدين من هذه الخدمات، فأننا بحاجة الى اليات محاسبة والعامل الاساسي والاهم هو ايجاد اليات رقابية ومساءلة».

وخلص الى القول: ان الحاجة كبيرة الى وجود «عمل مؤسساتي ابتداء من القوانين والسياسات وصولا الى ادوات التنفيذ الفاعلة، فالدولة لديها الامكانيات اللازمة ولدينا جامعات في القطاعين العام والخاص قادرة على تفويج كوادر متخصصة في هذا الشأن».

 اهمية التوعيةمن جانبها، اكدت المدافعة عن حقوق الانسان، انتصار علي، التي كان لها نشاط في وقت سابق بهذا المجال، ان من الضروري ان يكون هناك اهتمام خاص بالرعاية الصحية النفسية بالنسبة للمواطنين، الذين تؤكد التقارير والابحاث انهم بحاجة ماسة الى هذا النوع من الرعاية، نتيجة ما كابدوه على مر السنين.

وتابعت قائلة: «جميعنا اليوم بحاجة الى رعاية صحية نفسية، ومن المهم ان تتوفر في المراكز الصحية كحال الخدمات الأخرى التي تقدمها وزارة الصحة، لان هناك مشاكل وتحديات وأزمات كثيرة يواجهها الفرد، لذلك نؤكد دوماً على ضرورة التوعية بأهمية مراجعة الطبيب النفسي او المعالج المختص لأهمية هذه الخطوة».

وأشارت في حديثها مع «طريق الشعب»، الى ان «تراجع الصحة النفسية يلعب دوراً في خلق الكثير من المشاكل الاجتماعية، اهمها ظاهرة العنف داخل الاسرة، نتيجة الكثير من الاسباب، منها ما هو اجتماعي وهناك عوامل اقتصادية ومعوقات كثيرة وتحديات تساهم في ذلك، وتولد نزعة لدى الفرد تنعكس على شكل فعل عنفي تجاه الاسرة او المجتمع عموماً».

ونوهت علي الى ان هناك نقصا حادا وشحا كبيرا في اعداد الكوادر، وهذا يرجع لسببين احدهما متعلق بقلة الوعي بأهمية الطبيب النفسي، لذلك لا نجد ان الكثير من الطلبة مهتمون بدراسة هذا التخصص العلمي. ومن جانب اخر هناك عدم اهتمام بهذا المجال»، مؤكدة ضرورة «الاهتمام بهذه القضية من قبل وزارتي الصحة والتعليم العالي على حد سواء، واخذ الموضوع بنظر الاعتبار».

وشددت على اهمية تطوير عمل «الاطباء النفسيين وتنمية خبراتهم وقدراتهم لمواكبة التطور، ومن أجل ان يكونوا امينين على الحالات المرضية، فهناك حالات تستوجب ان تكون هناك سرية وحفاظ على خصوصية المريض ومعلوماته، ففي بعض الحالات يتعامل الاطباء مع مراضهم كأنهم مجرمون، وهذا ما عقّد من الحالة المرضية اكثر، وربما يدفعهم الى التفكير في الانتحار».