اخر الاخبار

تزايدت حاجة العراقيين كثيرا، خلال السنوات الأخيرة، إلى الوحدات السكنية، بعد أن شهدت مراكز المدن ضغطاً كبيرا نتيجة النمو السكاني والهجرة من الريف إلى المدينة والنزوح بسبب الاضطرابات الأمنية، ما أدى إلى انتشار التجمعات والأحياء السكنية العشوائية.

وبعد أن بقي البناء العمودي سنوات طويلة لا يلقى قبولاً بين العراقيين، بات اليوم أحد خياراتهم وجزءا من حل أزمة السكن المتفاقمة، لا سيما بعد أن شهدت أسعار العقارات في البلاد ارتفاعاً فاحشا.

وحسب وزارة التخطيط، فإن عدد تجمعات السكن العشوائي في البلاد تجاوز 4 آلاف تجمع، مبينة أن العاصمة  تتصدر العدد الأكبر بين المحافظات بنحو ألف تجمع عشوائي، بينما بلغت في محافظة البصرة 700 تجمع.

فيما لفتت الوزارة إلى أن التجمعات العشوائية يسكنها قرابة 4 ملايين مواطن، يشكلون 9 في المائة من مجموع السكان.

وكان مجلس الوزراء قد وافق في وقت سابق، على إحالة 4 مدن سكنية من أصل 4 للاستثمار، لتوفير قرابة 200 ألف وحدة سكنية في خمس محافظات.

ووفق الناطق الرسمي باسم وزارة التخطيط عبد الزهرة الهنداوي، فإن “المدن السكنية التي تعمل عليها وزارة الإسكان والهيئة الوطنية للاستثمار ستكون إضافة مهمة لقطاع السكن، وستساهم في معالجة جزء كبير من الأزمة”.

وسجل العجز في الوحدات السكنية في العراق أكثر من 3 ملايين وحدة. وتعتزم الحكومة إنشاء 20 مدينة سكنية جديدة، توفر قرابة 700 ألف وحدة سكنية، ما يغطي نسبة 23 في المائة فقط من إجمالي العجز.

لكن مواطنين وأصحاب مكاتب عقارات يرون أن أسعار الوحدات في المجمعات السكنية العمودية التي جرى بناؤها خلال السنوات الأخيرة، مرتفعة ولا تناسب الفقراء وذوو الدخل المحدود، الذين هم في الأساس من يعاني تداعيات أزمة السكن، الأمر الذي أعجز الكثيرين منهم عن الشراء في تلك المجمعات. 

عوامل نجاح البناء العمودي

لجنة الخدمات في مجلس النواب حددت 3 عوامل لنجاح البناء العمودي في البلاد. وقال عضو اللجنة النائب باقر الساعدي في تصريح صحفي، ان “أزمة السكن في العراق اقتربت من ذروتها في ظل أخطاء متراكمة من قبل الحكومات المتعاقبة في معالجة الأزمة التي تسببت في خلق العشوائيات والتجاوزات وتجريف عشرات الآلاف من الأراضي والبساتين الزراعية، بخاصة في مراكز المدن الرئيسة ومحيطاتها”.

ونوّه الساعدي إلى أن “البناء العمودي أحد الحلول التي لجأ لها معظم دول العالم لمعالجة أزمة السكن، لكن نجاحه في العراق مرتبط بـ3 عوامل هي: الأسعار المغرية والخدمات وتغيير بوصلة ثقافة شرائح واسعة حول إمكانية أن يكون البناء العمودي بديلاً جيداً عن الأفقي”، موضحاً أن “البناء العمودي سيكون نقطة جذب كلما توفرت فيه الخدمات وكانت أسعار وحداته مغرية”.

وكانت وزارة الإعمار والإسكان قد أوضحت في وقت سابق، أن مدة إنجاز المدن السكنية الجديدة ستتراوح بين 3 إلى 5 سنوات.

تقسيم المنازل

رأى مهيمن الربيعي، وهو صاحب مكتب عقارات في بغداد، أنه “بسبب أزمة السكن وارتفاع أسعار العقارات، لجأ العراقيون إلى تقسيم المنازل التي تتراوح مساحاتها بين 150 و300 متر إلى وحدات سكنية صغيرة، حتى وصلت مساحة الواحدة منها في بعض مناطق بغداد إلى 30 و40 و50 متراً تسكن فيها عائلة”، متابعا قوله في حديث صحفي: “كذلك أدت الأزمة إلى بناء عشوائيات في المناطق المحاذية للمدن والأحياء”.

وأفاد بأن “سوق العقارات لا تتحكم به الشركات، إنما الأفراد، بالتالي هؤلاء لا تسيطر عليهم الدولة”، لافتا إلى ان “الوحدات السكنية الاستثمارية التي منحت الدولة أراضيها مجاناً، وصل سعر المتر الواحد فيها إلى أكثر من 2000 دولار”.

وفي هذا السياق، أشار المتخصص في قطاع العقارات محمد عزوز، إلى أنه “أصبح الآن من المستحيل أن يشتري أصحاب الدخل المحدود منزلاً أو شقة. فأسعار العقارات بلغت مستويات مرتفعة في مدن بنيتها التحتية متهالكة وتعاني الإهمال وتشهد اختناقات مرورية، إضافة إلى دخان المولدات”.

أسعار لا تناسب الفقراء

وكانت مفوضية حقوق الإنسان قد انتقدت ابان آب الماضي، الغلاء الكبير لأسعار الوحدات ضمن المجمعات السكنية، مؤكدة عدم استفادة محدودي الدخل منها سواء كانت مجمعات حكومية أم استثمارية.

وقال مدير المركز الإعلامي في المكتب الوطني للمفوضية سرمد البدري، في تصريح للجريدة الرسمية، ان “أزمة السكن التي تعيشها البلاد، دعت إلى صدور قرارات حكومية بتوفير السكن الملائم، خاصة لمحدودي الدخل، من خلال تشييد مجمعات واطئة الكلفة، وهو ما دعا المفوضية للوقوف على مدى شمول جميع الفئات، لا سيما الهشة منها، بالسكن”.

وأوضح البدري أن المفوضية أجرت زيارات ميدانية إلى جميع المؤسسات ذات العلاقة، وهي وزارة الإعمار والإسكان وأمانة بغداد وهيئة الاستثمار إضافة إلى محافظة بغداد وصندوق الإسكان الذي يقدم القروض للمواطنين. وتابع قوله أن “المفوضية نبهت إلى أن السبب الرئيس لعدم استفادة الشريحة المذكورة من تلك المجمعات، هو الأسعار المرتفعة للوحدات السكنية، لا سيما الاستثمارية منها، فضلا عن وجود مشاريع يفترض تنفيذها بموجب شروط تعاقدية معينة، بيد أنه لا يتم الايفاء بها مطلقا، علاوة على عدم تواجد الشركات الرصينة لتنفيذ تلك المشاريع”.

الطلب على السكن يزداد

من جانبه، قال الباحث الاقتصادي باسم رعد، ان “العراق في الفترة الأخيرة شهد تزايداً في وتيرة الطلب على السكن نتيجة النمو الديموغرافي الضاغط، إضافة إلى الهجرة الداخلية من الريف إلى المدينة بسبب التغيرات المناخية والظروف الاقتصادية الصعبة”، مضيفا قوله في حديث صحفي أن “كل ما تقدم أدى إلى التوسع الأفقي والعشوائي في البناء واستهلاك الأراضي بطرق غير صحيحة، لينتهي الأمر إلى ارتفاع أسعار الأراضي بشكل غير معقول”.

ووفق رعد، فإنه “مع محدودية الأراضي داخل المحافظات سيساهم التوسع العمودي على أطرافها في معالجة مشكلة الإسكان، باعتبار ذلك خياراً اقتصادياً من الدرجة الأولى، لكونه يخفف من الكلفة الباهظة لتشغيل البنية التحتية المتمثلة في شبكات الصرف الصحي والمياه والكهرباء والطرق العامة والداخلية وغيرها من الخدمات الأساسية”.

واعتبر أن “التوجه نحو البناء العمودي سيوفر سكناً مناسباً من حيث الكلفة لمحدودي الدخل”.