اخر الاخبار

متابعة – طريق الشعب

 أورام خبيثة وعاهات مستديمة وتشوهات خلقية يتعرض لها العراقيون جراء تلوث الماء والهواء والتربة بشكل غير مسبوق، بالديوكسينات، التي صنفتها الوكالة الدولية لأبحاث السرطان بأنها مادة مسرطنة وتؤثر في الجهازين العصبي والتناسلي والحمض النووي.

وتنتمي هذه المادة إلى “المجموعة القذرة”، أي مجموعة المواد الكيماوية الخطرة التي تعرف بالملوثات العضوية الثابتة، والتي تثير القلق لقدرتها العالية على إحداث التسمم.

تقول العالمة العراقية المتخصصة في التلوث البيئي، إقبال لطيف جابر، ان ارتفاع الملوثات العضوية وغير العضوية في العراق، فاق الحدود المسموح بها، مضيفة في حديث صحفي أنه “في حوض الثرثار وجدنا ارتفاعاً في تركيز مادة الزئبق في الأسماك، والتي تتسبب في إصابتها بالسرطان. وعثر أيضاً على أسماك مصابة في مزارع الزعفرانية بسبب مخلفات مستشفيات العزل قرب نهر ديالى، والتي تلقى في النهر دون معالجة”.

وتلفت إلى ان “نهري دجلة والفرات يشهدان تلوثاً عالياً أيضاً بالمواد التي تتسبب في الفشل الكلوي والإعاقة الذهنية. إذ تتركز على حافتي النهرين قواقع فيها نسب عالية من الديوكسينات”.

 مبيدات محظورة

العالمة تقول أيضا، أن “الديوكسينات من المواد المحظورة دولياً لزيادة نسبة الكلور فيها ولسميتها العالية. وقد صادق العراق على منع استخدامها عام 1997”، موضحة أن هذه المادة توفرت في المبيدات التي دخلت البلاد بعد 2003، وتكمن خطورتها في أنها غير قابلة للذوبان في الماء ويتعذر على بكتريا التربة تحليلها”.

وتشير إلى أن خطورة الديوكسينات تتمثل في استمرار بقائها ضمن الدورة البيولوجية للتربة لفترات طويلة، موضحة أن “المصادر الرئيسة لتلك المادة هي البلاستيك والمواد الكلورية والصناعية والزيوت. كما انها تتولد نتيجة إحراق النفايات بدرجة حرارة دون المعدل القياسي، ما يؤدي إلى ترسب كميات منها في التربة أو النباتات التي سيتغذى عليها الحيوان وبالتالي تدخل ضمن السلسلة الغذائية”.

وتضيف قائلة: “تتجمع هذه المادة في الأنسجة الدهنية للحيوانات، وتكثر في الأسماك نتيجة إلقاء كميات كبيرة من الزيوت الصناعية والمبيدات في المياه. وسبق أن أشار بعض الدراسات إلى وجود هذه المادة في الأسماك والألبان واللحوم بنسب عالية”.

 أسباب الانتشار

تتحدث العالمة عن أبرز أسباب انتشار الديوكسينات في العراق، ومنها “إحراق القوات الأمريكية المواد الكيماوية والمعادن الثقيلة السامة كالزرنيخ والرصاص والكروم والنيكل والكوبالت في الهواء الطلق ضمن مناطق تمركز قواعدها، وإحراق الأنسجة البشرية والمواد الطبية، والذي ينتج عنه دخان كثيف يضر بالجهاز التنفسي، ويسبب سرطان الجهاز الهضمي والعقم والإعاقات الذهنية والخلقية”.

وتتابع: “كذلك لعبت مطامر النفايات دوراً رئيساً في زيادة نسب التلوث. بدليل ارتفاع معدل الإصابة بالصرع والربو القصبي والعقم والأمراض الجلدية كسرطان الجلد والصدفية، بخاصة في البصرة وذي قار وصلاح الدين”.

 غياب الوعي العلمي

نقلا عن صحيفة “اندبندنت عربية”، يقول مسؤول في وزارة البيئة أن “الديوكسينات ناتجة عن الانبعاثات غير المقصودة للملوثات العضوية الثابتة، وهي مسرطنة بالتأكيد”.

ويضيف المسؤول الذي حجبت الصحيفة اسمه، أن “هناك أشخاصا يتعرضون للديوكسينات بشكل يومي، لا سيما الذين يعيشون قريبا من مصادر انبعاث الغازات السامة، أو الذين يتعرضون باستمرار إلى الغازات الناتجة عن حرق النفايات أو الصادرة عن مولدات الديزل”، مستدركا “لكن المشكلة العراقية تتزايد في ظل غياب الوعي العلمي، وافتقار البلاد إلى القدرات المختبرية الكافية”.

ويتابع قوله أن “هناك جهودا تخمينية لحساب كمية النفايات المحروقة بالاستعانة بمعدات قياس، ويفترض الآن تجهيز خطة للسيطرة على الانبعاثات بإيقاف مصادرها”، مشيرا إلى ان “معظم هذه المصادر سببها الحكومة ومؤسساتها. لذلك يفترض من الدولة تبني رؤية من خلال وزارة البيئة لتحويل هذه المصادر إلى مواقع صديقة. ومن ذلك منع الحرق العشوائي ومحاولة السيطرة على الانبعاثات الصادرة عن حرق الغاز المصاحب لاستخراج النفط، وحرق النفايات الطبية. فجميع هذه الأمور يجب إدارتها بشكل مدروس”.

ويشدد المسؤول على أهمية تطوير المختبرات البيئية، والبحث عن المواد والغازات التي تحتوي على تركيز عالٍ من الديوكسينات يفوق الحد المسموح به، وإتلافها، والتخلص من المبيدات المحظورة والتالفة في مخازن وزارة الزراعة، بطريقة بيئية سليمة، وتطوير القدرات البحثية في هذا المجال.

 محارق المستشفيات

وفي السياق، تنقل صحيفة “اندبندنت عربية” عن مهندسة كيمياوية قولها ان “الديوكسينات تطلق كناتج عرضي لطائفة واسعة من العمليات الصناعية وإنتاج بعض مبيدات الأعشاب”، لافتة إلى ان “أجهزة حرق النفايات غير المراقبة (الصلبة ونفايات المستشفيات)، في غالب الأحيان أكبر مسببات ذلك، نتيجة عدم اكتمال عمليات الحرق فيها”.

وتضيف المهندسة التي لم تذكر الصحيفة اسمها الصريح، أنه “نسعى منذ سنوات عدة للسيطرة على مصادر تلك المواد من خلال تعاون دولي مع برنامج الأمم المتحدة للبيئة والبنك الدولي. إذ بدأ العراق أول خطوة في المشروع قبل سنتين، وجردت مصادر وجود وإطلاق الملوثات العضوية الثابتة من الديوكسينات في البلاد”.

وتؤكد أن “خريطة تلوّث التربة في العراق واسعة جدا، ومن أبرز المواقع الملوثة مواقع  التصنيع العسكري السابقة، ومواقع استخراج النفط والانسكابات النفطية”.

 المخلفات الصحية السائلة

وتتعرض الأنهار في البلاد إلى تلوّث كبير ناتج عن رمي المخلفات الصحية السائلة فيها.

وتنقل الصحيفة عن مهندس تابع إلى مديرية بيئة كربلاء قوله، أن “المخلفات السائلة للمستشفيات ترمى في الأنهر دون معالجة فعالة. وهذا سببه عدم استجابة وزارة الصحة لتحذيرات وزارة البيئة”، موضحا أن “هذه الحالة مخالفة صريحة للقانون العراقي، الذي يشترط عدم التجاوز على المصادر المائية”.  ويؤكد المهندس الذي حجبت الصحيفة اسمه، أن “المصادر المائية في البلاد تشهد تلوّثا كبيرا يصعب التخلص منه. وهناك تخوّف من تحوّل مصدر الحياة بمرور الزمن، إلى مصدر للأمراض الانتقالية والمستعصية”، لافتا إلى أن “مياه الشرب خرجت عن كونها للاستهلاك البشري. إذ يندر أن يشرب المواطن ماء الحنفية”.

ووفقا لمصدر في مستشفى مدينة الطب، فإن “هناك مجرى للفضلات يخرج من المستشفى ليلقي مخلفاتها في النهر مباشرة دون معالجة”، مؤكدا أنه “يمكن رؤية الأنبوب الذي ينقل الفضلات الخارجة من المستشفى من أعلى جسر (باب المعظم). وهذا مستشفى واحد فما بالك إذا كان الحال نفسه مع بقية المشافي؟!”.