اخر الاخبار

يحذر خبراء في مجالي البيئة والموارد المائية، من وصول العراق إلى أعتاب الجفاف الحقيقي خلال الأعوام القليلة القادمة، في ظل شح المياه المتفاقم وعدم اتخاذ الدولة إجراءات كفيلة بالحد من الأزمة، سواء على المستوى المحلي أم الإقليمي.

ويلفت الخبراء إلى أن الجفاف بات يهدد كل المصادر المائية في البلاد بالنضوب تماما، ما يشكل خطرا حقيقيا على القطاع الزراعي والثروة الحيوانية، إضافة للإنسان.

ومن أجل مواجهة الأزمة المائية توجهت الحكومة، والمواطنون أيضا، إلى المياه الجوفية عبر حفر الآبار للاستخدامات الزراعية والمنزلية، فضلا عن توفير ماء الشرب. لكن هذه المياه التي يبلغ مخزونها أكثر من 30 مليار متر مكعب – حسب خبراء في الموارد المائية – بدأت تتراجع، وهو ما دفع منظمات دولية لإطلاق تحذيرات من استخدامها.

600 بئر خلال هذا العام!

في نهاية أيلول الماضي، كشفت وزارة الموارد المائية أنها حفرت منذ مطلع العام الجاري نحو 600 بئر في مناطق مختلفة من البلاد، مشيرة إلى انها تهدف إلى حفر ألف بئر حتى نهاية العام.

وتنقل وكالة أنباء “العربي الجديد” عن مسؤول في وزارة الموارد المائية – لم تكشف عن اسمه – قوله أن “مجموع الآبار التي حفرتها الدولة والمواطنون قد يتجاوز 5 آلاف بئر في عموم العراق. علماً أنّ العدد الأكبر حفره المواطنون”.

وأضاف قائلا أن “الأنبار وديالى وواسط والمثنّى وذي قار وبغداد، تتصدّر محافظات البلاد في نسبة الآبار التي حفرها الأهالي بوسائط متخصصة”، مبينا أن “الآبار معظمها خاصة، أي أنّ المواطن يحفر بئره في أرضه أو حديقة منزله، بعمق 30 متراً ويستخدم مياهها لأغراض الري والاغتسال”.

وكانت وزارة الموارد المائية قد أعلنت نهاية العام الماضي عن توجّهها إلى استخدام المياه الجوفية لأغراض الزراعة في ستّ محافظات، بسبب الأزمة المائية غير المسبوقة التي تمرّ بها البلاد. فيما أقرت في تصريح صحفي آخر، بانخفاض الخزين الاستراتيجي للمياه الجوفية في العراق، مشيرة إلى أن هذه المياه لا تتجدد ولا يمكن تعويضها، خاصة في ظل التغيّر المناخي وقلة هطول الأمطار.

تحذيرات دولية

في أيلول الماضي، حذر برنامج الأغذية العالمي WFP التابع للأمم المتحدة، من استخدام المياه الجوفية الموجودة في العراق، واصفاً استغلالها بـ”الكارثة” - حسب ما ذكره في حديث صحفي مدير البرنامج في العراق، علي رضا القريشي، الذي أكد أن استخدام المياه الجوفية يمثل كارثة في طريقها إلى الحدوث “إذ إنَّ هذا النوع من المياه يأتي من الأمطار ويُحتفظ به في أحواض داخل الأرض لحفظ التوازن، واستهلاكها سيخلق حالة من النضوب بمرور الوقت”.

وفي آب الماضي أطلقت منظمات أجنبية تحذيرات لدول الشرق الأوسط، خاصة العراق، من قرب نفاد المياه الجوفية المخزنة في أراضيها، اذا ما استمرت عمليات استثمارها دون رادع او تخطيط مسبق.

وقالت شبكة “دي دبليو” الألمانية في تقرير لها، ان دولا عربية عديدة واهمها العراق “لا تراقب مستويات مياهها الجوفية ولا تملك الأدوات التي تمكنها من معرفة كمياتها وما يتم الاستحواذ عليه منها عبر الآبار التي يستخدمها المواطنون”.

وينقل التقرير عن الباحثة في معهد التنمية المستدامة الألماني انابيل هورديت، قولها ان “المياه الجوفية هي مورد يمكن استخدامه لمرة واحدة فقط. حيث تم جمعها عبر آلاف السنين ولا يجوز استخدامها الا ضمن دراسة مسبقة تضمن تعافي نسبها”.

وحسب التقرير، فإن مدير المعهد الألماني للموارد الطبيعية رامون برنفيوهرر، لفت إلى ان استخدام المياه الجوفية الجاري حاليا في العراق والأردن يمثل خطورة على التوازن البيئي “خاصة في العراق الذي يعد الدولة الخامسة على مستوى العالم في التأثر السلبي بالتغير المناخي”. وأكد التقرير ان “البلدان العربية، واهمها العراق، أصبحت الآن معرضة لنفاد مياهها الجوفية بشكل كامل خلال فترة قصيرة في حال استمرت عمليات استغلال المياه على النمط الحالي”، منوّها إلى انه “على الرغم من ان تحديد موعد لنفاد المياه الجوفية امر صعب جدا، إلا ان الأدلة المتاحة حاليا تشير الى انخفاضها لمستويات خطيرة جدا”.

هل نحن على أعتاب كارثة؟!

حسب الخطة الزراعية الشتوية للعام الحالي، والتي أقرتها وزارتا الزراعة والموارد المائية، فإنه سيجري الاعتماد بشكل كبير على المياه الجوفية في الزراعة. إذ شملت الوزارات 5.5 ملايين دونم فقط من أراضي العراق الزراعية، في الخطة المقرة، مشيرتين إلى أن 4 ملايين دونم ستعتمد على المياه الجوفية، أما المساحة المتبقية فستعتمد على المياه السطحية (دجلة والفرات).

وعلى أعقاب ذلك رأى الخبير الزراعي عادل المختار ان استخدام المياه الجوفية دون تخطيط مدروس “سيقود إلى كارثة”.

وقال في حديث صحفي، أن “المياه الجوفية في العراق استنزفت كثيرا، على الرغم من كون البلاد الأولى عربيا في مخزون هذه المياه الذي يبلغ 31 مليار متر مكعب”، مؤكدا أن “هذا المخزون المائي بدأ يتراجع، وهو ما دفع منظمات دولية لإطلاق تحذيرات من استخدامه”.

وتابع المختار قوله أن “بحيرة ساوة في السماوة جفت إلى جانب عدد من العيون والينابيع في سامراء وصلاح الدين بسبب تناقص المياه الجوفية، والآن بدأ من يستخدم الآبار بتعميقها، بسبب نضوب المياه”، لافتا إلى ان “العراق، بحسب مدير عام المياه الجوفية، يستهلك سنويا ملياري متر مكعب من هذه المياه، مقابل تعويض يبلغ مليارا واحدا، ما يعني تناقص مليار متر مكعب في كل عام”.