اخر الاخبار

أثارت الخطة الزراعية للموسم الشتوي المقبل في العراق، والتي قلصت المساحات الزراعية بشكل كبير، معتمدة على المياه الجوفية ومعلقة الآمال على الأمطار، انتقاداً واسعا من قبل اختصاصيين في المجال الزراعي ومزارعين، وسط مطالبات بتحرك حكومي جاد على دول المنبع للحصول على حصة البلاد من المياه.

وكانت وزارتا الزراعة والموارد المائية قد أعلنتا نهاية أيلول الماضي أن الخطة الزراعية للموسم الشتوي المقبل، في عموم العراق، والتي تبدأ من 1 تشرين الأول، تعتمد على زراعة 5.5 ملايين دونم فقط، مبينة ان 1.5 مليون دونم من المساحة المشمولة بالزراعة ستعتمد على المياه السطحية (دجلة والفرات). بينما ستعتمد المساحة المتبقية، والبالغة 4 ملايين دونم، على المياه الجوفية.

وأكدت الوزارتان استمرار تأمين المياه للاحتياجات الأخرى بالنسبة للاستخدامات المدنية والبيئية، إلى جانب سقي البساتين بمساحة 1.1 مليون دونم. وأوصتا بضرورة التعاون بينهما لإنجاح الموسم الزراعي واستخدام التقنيات الحديثة في الزراعة ومنع التجاوزات بمختلف أنواعها.

وفي تصريح صحفي سابق، قال المتحدث باسم وزارة الموارد المائية خالد شمال، ان “وزارتي الموارد والزراعة اتفقتا على مساحة الموسم الزراعي الشتوي. وان هناك مؤشرات تم على أساسها اعتماد الخطة الزراعية، منها حجم خزين المياه السطحية والجوفية، والكميات المتوقعة من إيرادات العراق عبر حوضي دجلة والفرات، فضلا عن الأمطار المباشرة والمياه الناتجة عن ذوبان الثلوج”.  وأوضح أنه “في حال وجود وفرة مائية ستتم إعادة النظر في مساحة الخطة الزراعية، إلا أن الأولوية ستكون لمسألة الخزين الاستراتيجي وتعزيزه، لا سيما أن هناك فراغات خزنية كبيرة مرتبطة بالمواسم الجافة الأربعة التي شهدها العراق خلال السنوات الأخيرة”. وقوبلت الخطة الزراعية بانتقادات من قبل المحافظات التي تعتمد على الزراعة في البلاد. وقد توقع مدير زراعة واسط أركان مريوش، أن “تؤثر الخطة بشكل مباشر على الكميات المنتجة من المحاصيل الزراعية، وعلى مصالح الفلاحين”.

وكان برنامج الأغذية العالمي WFP التابع للأمم المتحدة، قد حذّر في 12 أيلول الماضي من استخدام المياه الجوفية الموجودة في العراق، واصفاً استغلالها بـ”الكارثة”. وبحسب مدير البرنامج في العراق علي رضا القريشي، فإن “استخدام المياه الجوفية في البلد يمثل كارثة في طريقها إلى الحدوث. إذ إنَّ هذا النوع من المياه يأتي من الأمطار ويُحتفظ به في أحواض داخل الأرض لحفظ التوازن، واستهلاكها سيخلق حالة من النضوب بمرور الوقت”.

دون مستوى الطموح

وفي حديث صحفي، ذكر مريوش أن “حصة واسط خُفضت هذا الموسم إلى 400 ألف دونم من الخطة العامة للمحافظة، والتي كانت تبلغ مليوناً ونصف المليون دونم”، مؤكدا أن “هذه الخطة غير طموحة، ولا تلبي الحاجة الفعلية، وقليلة قياساً بالمساحات الزراعية الموجودة في المحافظة”.

وأشار إلى أن “واسط هي سلة خبز العراق بإنتاجها الزراعي السنوي الذي يعادل إنتاج ثلث محافظات البلاد، وأن انحسار المساحة إلى 400 ألف دونم سيكون له تأثير مباشر على كميات المحاصيل المنتجة”، منوّها إلى أن “الأنواء الجوية تبشر بهطول أمطار وبتحسن الوضع المائي، ونأمل في أن يكون الموسم الزراعي المقبل ناجحا”.

خطط خطيرة!

من جهته، قال عضو الجمعيات الفلاحية في محافظة ديالى، غزوان العزاوي، أن “الخطط الزراعية المقرة خطيرة وتمثل قتلا للزراعة في أغلب المحافظات”، مبيناً في حديث صحفي أن “البلد بات يتحول تلقائياً إلى مستورد للحبوب بعد أن حقق اكتفاء ذاتياً منها في السنوات الماضية، وأن أزمة المياه لا تجد حلاً بسبب عدم التحرك الحكومي على دول المنبع”.

وتابع قوله أنه “لا يمكن حل أزمة الزراعة إلا بتحرك حكومي ومفاوضة مع دول المنبع لمنح العراق حصته المائية كاملة”.

سيناريو مكرر!

إلى ذلك، رأى الخبير الزراعي والبيئي عادل المختار، ان “الخطة الزراعية الشتوية هي سيناريو مكرر للعام الماضي”، مضيفا في حديث صحفي أنه “في العام الماضي أطلقنا تحذيرات بخصوص اعتماد المياه الجوفية في الري السيحي، فإذا كان العراق لديه إمكانية زراعة 4 ملايين دونم بمنظومات الري الحديثة عليه أن يتحوّل إلى الاعتماد على الري السطحي ولا يستنزف المياه الجوفية”.

ولفت المختار إلى ان “المياه الجوفية في العراق استنزفت كثيرا، بالرغم من كون البلد الأول عربيا بمخزون هذه المياه التي تعادل 31 مليار متر مكعب، لكن هذا المخزون بدأ يتراجع وأخذت المياه تنضب، وهو ما دفع منظمات دولية لإطلاق تحذيرات من استخدامها”.

وأجبرت أزمة المياه التي يمر بها العراق، وزارة الزراعة على تقليص الخطة الزراعية الى النصف، لتنحسر المساحات المزروعة بالمحاصيل بشكل كبير جداً، وبالتالي أجبر هذا الأمر الوزارة على وضع خطط لاستيراد المحاصيل.

وكانت وزارة الزراعة قد أكدت مرات عدة تراجع الإنتاج المحلي من المنتجات الزراعية في عموم المحافظات، ما تسبب في تأثيرات سلبية على الأمن الغذائي في البلد، وسط تأكيدات بأن أزمة المياه خنقت الزراعة بشكل خطير.

ودفعت تلك التأثيرات المتزايدة لأزمة المياه حكومة بغداد إلى وضع خطة لاستيراد محصول القمح، الذي كانت البلاد قد حققت منه خلال سنوات مضت، إكتفاء ذاتيا.