اخر الاخبار

العدالة في توزيع الثروة مفهوم جدلي اختلف بتفسيره الفلاسفة وعلماء الاجتماع وخبراء الاقتصاد والإصلاحيون، وانتهى هذا الاختلاف إلى مدارس معرفية وعلمية وثقافية متعددة في القرون المتأخرة إلى يومنا، هذا غير أن هذا الجدل ومآلاته لم يكن ولن يكون منعزلا عن فهم التناقضات الاجتماعية وقوانين الصراع الطبقي التي تحكم أساليب وانماط توزيع الثروة المتحققة عبر أسلوب الإنتاج السائد في المجتمع، وما تزال الأبحاث والدراسات المتعلقة بهذه الموضوعة مختلفة في مقاييس توزيع الدخل والثروة في مجتمع ما.

وفي بلادنا المبتلات بغياب الشفافية في توزيع الثروة وهيمنة الطغمة المالية والكومبرادور والبيروقراطية المتحكمة بمفاصل الدولة والمتخادمة في الهيمنة على مفاتيح الثروة تتسع الفجوة بين الفقراء والاغنياء بما لا تقبل التورية او التأويل، وأكثر الدراسات والأبحاث التي تجريها المنظمات الدولية ومؤسساتها المالية تشير بوضوح إلى أن العراق متأخر كثيرا في مقدار حصة الفرد من الناتج المحلي الإجمالي، فاستنادا إلى تقرير مجلة (CEWORLD) المختصة بالإحصاءات فان العراق يأتي بالمرتبة 113 عالميا من أصل 190 دولة والسابعة عربيا،  فعلى سبيل المثال إذا ما قايسنا حصة الفرد العراقي من الناتج  المحلي الإجمالي البالغة 4775 دولار سنويا مع نسبتها إلى حصة الفرد في بعض  البلدان العربية لتبين ان هذه النسبة تشكل 7 في المائة بالنسبة إلى  قطر  و10 في المائة بالنسبة  لدولة الامارات و18 في المائة بالنسبة للبحرين و20 في المائة بالنسب للسعودية  و25 في المائة بالنسبة لسلطنة عمان  و75 في المائة بالنسبة لليبيا وعالميا 4 في المائة بالنسبة للوكسمبورج و5 في المائة بالنسبة إلى سويسرا واكثر من ذلك فان العراق يأتي تراتبيا أعلى من بوروندي  وأفغانستان  والصومال .

ومن جهة أخرى  فان اللجنة العليا لوضع استراتيجية تخفيف نسبة الفقر في العراق التي قرر مجلس الوزراء تشكيلها في وزارة التخطيط بمشاركة ممثلين عن إقليم كردستان بموجب قراره المرقم 409 في شهر تشرين الثاني من عام 2011 قد بينت الوثائق التي اعتمدتها كمعطيات أولية لرسم استراتيجيتها، أن معدل نسبة الفقر في العراق 23 بالمائة تشمل الحضر والريف وكانت نسبة الفقر في الريف 39,3 بالمائة اما في المدينة فكانت النسبة 16,1 بالمائة وان فجوة الفقر كانت 4.5 بالمائة وهذه النسب تتفاوت بين محافظة وأخرى، ورأت اللجنة أن تحقيق هذا الهدف يمر من خلال ست محصلات أساسية وهي دخل أعلى من العمل، وتحسن المستوى الصحي، ونشر وتحسن التعليم  ،وبيئة سكن أفضل ،وحماية اجتماعية ، وتفاوت أقل بين النساء والرجال. ولكن اللجنة لم يفتها، وهي محقة في ذلك التنويه أن هذه الاستراتيجية تواجه تحديات حقيقية ينبغي معالجتها من خلال ضمان الامن والاستقرار، وضمان الحكم الرشيد، وضمان عدالة في توزيع الدخل، والتخفيف من الآثار السلبية للإصلاح الاقتصادي على الفقراء، فالإصلاح الاقتصادي وقتها كان عبارة عن تهريج حول الانتقال إلى اقتصاد السوق والتسريع في إعادة هيكلة الشركات الصناعية وما إلى ذلك من محاكمات غير واقعية لمعالجة الأمراض الاقتصادية المتفاقمة التي لا تكمن أسبابها في وجود القطاع الحكومي بل في السياسات الحكومية المتهورة .                  

إن التضخم بطبيعته يؤدي إلى إعادة توزيع الدخول الحقيقية للشرائح الاجتماعية المختلفة، لأن الدخول النقدية والأسعار لا تزداد بالنسبة نفسها للقطاعات كافة، إذ أن التفاوت في درجة ارتفاع أسعار السلع والخدمات يؤدي إلى زيادة الدخول لشرائح اجتماعية على حساب شرائح اجتماعية أخرى، فتدني المستوى ألمعاشي يكون من نصيب أصحاب الدخول الثابتة كالموظفين وجميع الذين يعيشون على المعاشات التقاعدية والإعانات شبكة الرعاية الاجتماعية .                                                                                       

وبناء على ما تقدم فان الدولة مطالبة بإجراء تغييرات جوهرية في نظام إعادة توزيع الدخل عبر سياسة إطفاء الحرائق وان يشمل التغيير الأطر والتشريعات والاليات الناظمة للنشاط الاقتصادي في الجوانب السياسية والحقوقية والإدارية والمالية ومكافحة جادة للفساد عبر تحطيم اعمدته الرئيسية واشراك الجماهير عبر منظوماتها الاجتماعية في هذه العملية.  

عرض مقالات: