اخر الاخبار

من المعروف في الاقتصاد أن القطاع السلعي غير النفطي المتنوع والمتجه للتصدير هو شرط ضروري للتنمية الاقتصادية بعيدة المدى بصفتها عملية تهدف اللحاق بالدول المتطورة، غير أن تجربة العراق التنموية أظهرت العكس، فالتنوع في الاقتصاد بعيد عن قطاع النفط شديد الصعوبة ويصطدم بعقبات ترتبط بما يسمى بالمرض الهولندي والبيئة الاجتماعية والسياسية المأزومتين والسياسات الاقتصادية المرتبطة بأنشطة الاعمال وانهيار القاعدة التحتية فضلا عن القدرات التقنية والتنظيمية المفقودة.

  إن العراق حيث يعتمد على الموارد الطبيعية النفطية مصدرا للعملة الأجنبية وتمويل الانفاق العام اظهر خلال الفترة الماضية وتحديدا بعد عام 2003 ترددا غريبا في تنوع القاعدة الإنتاجية والصادرات غير النفطية وتباطؤا شديدا في الاستثمار في الصناعات التحويلية، ولهذا يمكن القول إنه فشل في الوصول بتلك الصناعات إلى امتلاك المقومات الذاتية في النمو مما أدى إلى فشل تجربة التصنيع ومن ثم التوقف. وقد بينت التجربة أن فاعلية الحكومات المتعاقبة خلال هذه الفترة وضوابط تنظيم الحياة الاقتصادية والنزاهة كانت كلها عوامل مفقودة.

ومن الأهمية بمكان الإشارة إلى أن الارتكاز على قواعد مالية واقتصادية جيدة يعد أهم مقومات الدولة الحديثة التي تقتضي منظومة متقدمة لإدارة الانشطة الاقتصادية بأساليب وطرق تعكس وضوح الفلسفة المالية والاقتصادية التي تنتهجها حكومة نزيهة مفترضة لضمان أفضل النتائج تأثيرا في تقدم الاقتصاد وإنعاش حياة المواطنين وتخليصهم من أعباء البطالة والفقر من خلال الأهمية التي تتمتع بها استراتيجية الاعتماد على النفط وتوظيف موارده في تنويع الاقتصاد المنتج.

    إن الإحصاءات الرسمية المتاحة والمعلنة تشير إلى أن الطاقة الإنتاجية الحالية للنفط تبلغ 4،8 ملايين برميل يوميا لكنه مازال بعيد المدى عن الهدف للوصول بطاقته الإنتاجية إلى 8 ملايين برميل في اليوم  وحتى هذا الهدف هو في الواقع أقل من الهدف الذي حددته التراخيص النفطية للوصول إلى عشرة  ملايين برميل يوميا،  وهذه الأرقام تقودنا إلى حجم الطاقة التصديرية للبترول والتي تعد أساسا مأمولا لعملية التنمية الاقتصادية المستدامة،  ففي بيان لوزارة النفط العراقية فإن الصادرات من النفط لشهر اذار من عام 2022 قد بلغت اكثر من مائة مليون برميل يوميا وبمعدل سعر وصل إلى 110 دولار وبإيرادات وصلت إلى اكثر من 11 مليار دولار محققة أعلى ايراد مالي منذ عام 1972 (سنة التأميم ) ويستهدف الوصول بطاقة تصديرية تصل إلى 3،4 مليون برميل في اليوم، وانطلاقا من هذه الأرقام  فان مجموع التدفقات النقدية السنوية لعام2022  شبه المؤكدة  ستصل إلى 120 مليار دولار وهو اعلى مورد وصلت اليه العوائد النفطية بعد عام 2012 حيث وصلت إلى 106 مليار دولار، واذا اخذنا بعين الاعتبار ان الموازنات السنوية تعتمد على اكثر  من 94 في المائة على الموارد النفطية فكيف ستخطط الحكومة العراقية للاستفادة من هذه الوفرة المالية المتحققة؟ ومن المتوقع إذا تحسنت الظروف الدولية الراهنة التي تواجه حروبا ساخنة وباردة فان الأسعار ستأخذ طريقها للانحدار ويتعرض الاقتصاد العراقي إلى ازمة جديدة، لهذا فان الحكومة القائمة مطالبة بالعمل على الاستفادة من الوفرة المالية المتاحة والا فان التاريخ لا يرحم الحكومات الفاشلة. لذلك فان السياسة المناسبة للتعامل في مثل هذه الظروف من وجهة نظري تتطلب ما يلي:

  1. إعداد استراتيجية اقتصادية مختلفة عن غيرها مدعومة بإطار تشريعي يكون الأساس لأي برنامج حكومي تعتمده حكومة نزيهة تشهر السيف بوجه كل فاسد وتستمر على متابعة التنمية والإصلاح ابتداء بالقطاعات الخدمية وخاصة الصحة والتعليم بالاعتماد على منظومات اقتصادية حكومية في ضوء اهداف يمكن قياس نتائجها في رفاهية الشعب.
  2. تنويع قطاعات الإنتاج وإعادة النظر في نظام التوزيع لأجل تقليص الفوارق الطبقية ومراجعة سعر الصرف لانتفاء مبررات خفض قيمة الدينار التي أصبحت من الماضي المتمثلة بجائحة كورونا وتدهور أسعار النفط.
  3. حماية الوفرة المالية من محاولات الاستحواذ عليها من قبل الطبقات الطفيلية التي تنشط خارج قطاع الإنتاج والتي تحقق مكاسبها من دعم الجهاز البيروقراطي الفاسد.
عرض مقالات: