اخر الاخبار

يثير التصاعد الدراماتيكي لقوى اليمين، والمتطرف منه بالتحديد، في الإنتخابات التي شهدتها بلدان عديدة، قلق قطاعات واسعة وفي مقدمتهم اليساريون، الذين باتوا يقرون بقدرة هؤلاء على إيهام الناخبين، فيما فشل قسم من اليسار في الوصول إلى الأغلبية التي يمثل مصالحها واقناعها بشعاراته. ولهذا، يحتدم الحوار اليوم، حول سبل توعية الجموع بمضامين وأشكال برامج اليسار التي تمثل حلولاً حقيقية لمشاكل العصر.

وتأتي في مقدمة تلك الحوارات، قضية طرح الشعارات، إذ يرى البعض أن الشعارات الشائعة والمكررة، مهما كانت صائبة، تجعل أصحابها بديهيين، إلى حد يعتاد عليها الناس فلا يعودون يبصرون أصحابها، في غابة من الصور والأطروحات المتشابهة، وفي عالم تضاعفت فيه القدرة على التضليل والكذب والتزوير. لقد طالبت أحزاب فاشية، بتطوير بعض جوانب دولة الرفاه الاجتماعي، مقلّدة برامج اليسار، مما أوهم الناس بعدم وجود فرق بين الطرفين، وسمح للشعارات الشعبوية بالهيمنة وتحقيق النجاح. وفي العراق، راحت قوى محاصصاتية بإمتياز، تتبنى شعار الدولة المدنية، موهّمة الناس بأنه من صميم برامجها، مما ترك تأثيرات سلبية على وعيهم. ولهذا ينبغي أن تتضمن شعارات اليساريين، ما هو أكبر من الطموح المتاح، فتنفرد عن غيرها، وتقتنع بها الجماهير وتتحول إلى قوة مادية.

ويشمل الأمر أيضاً ما تراه الأغلبية بأن ساحة صراع اليسار الأساسية تتمحور في محاربة الظلم، وربما تفقد برامجه بعضاً من زخمها، عندما تتناول أموراً أخرى. ولهذا يحتاج اليسار إلى التعرف على ما في وعي الناس فعلاً من أفكار، وربما مسلمات، وإستخدام معطيات الواقع لترسيخ الصائب منها ودحض المعادي للحرية والعدالة، قبل أن يتم تفنيد علمي وواضح للفضائل المزعومة للرأسمالية أو للتطور الرأسمالي، وحصر اليمين في الزاوية الضيقة التي يستحقها، وفتح الأفق جلياً لقبول البديل اليساري، بعد توضيح ماهيته وسبل تطبيقه والفضائل الحقيقية التي سيحققها للإنسان.

ومن الأوراق الأخرى التي ينبغي الإلتفات اليها، دور الرموز في تفعيل النضال. فقد أدت الإنتكاسة الكبيرة التي أصابت الحركة الثورية، بعد إنهيار التجربة الاشتراكية الأولى، إلى تخلي البعض عن منظومة متكاملة من الرموز المحّفزة، التي كانت تتضمن سير المفكرين والقادة الثوريين ومبدعي الفن والأدب ونتاجاتهم ومجموعة من القصائد والألحان والأغاني والحكايات، التي كانت ترمز لنضال اليسار وتضحياته الجسيمة وما إجترحه مناضلوه من مآثر، وذلك حين تصور البعض بأن ذوق الأجيال الشابة لا يتجاوب مع ذلك، وأنه يشعر بالخجل من “خطايا” قد يكون أحد من هؤلاء مسؤولاً عنها.

غير أن الكثيرين، يرون خطأ هذه التصورات، إذ يبقى الإبداع بدون اليسار، بعيداً عن الأدمية التي لا يمكن أن يزهو إلا بها، كما أن حاجة البشر للإبداع لا تتوقف على زمان أو مكان، فيما يجب التمييز، بين نقد ذاتي حاد لأخطاء قادة ومناضلين وفي سياق ظروف عصرهم، وبين التشويه المتعمد والصارخ وغير الموضوعي الذي تلجأ اليه قوى اليمين، بغية تحطيم تلك الرموز في الذاكرة الجمعية، وتحجيم تأثيرها الملهم كرموز للثورة والتغيير.

ومن البداهة أن تتطلب هذه المهمة، التعرف بموضوعية وحيادية نسبية، على التاريخ، وعدم الإكتفاء بإنكار ما رسخه اليمين في عقول الناس خلال العقود الثلاثة الأخيرة بشكل خاص، بل فضح ما يُنشر من أكاذيب، بقوة الحقيقة التاريخية، المعروفة والموثقة.

عرض مقالات: