اخر الاخبار

ينظر العراقيون وخاصة الشرائح الفقيرة الى الموازنات السنوية بعين فاحصة لمعرفة استحقاقاتهم من النفقات العامة بوصفها الأداة الفاعلة في توزيع الثروة ومدى توافر العدالة الاجتماعية، وذلك لان الثابت بالفعل ان فئة من المجتمع العراقي تهيمن على السلطة والقرار، وهي التي تستحوذ على النسبة الأكبر من هذه الموازنات، فظهرت الاولغارشية التي تعد وتنفذ وتراقب بنفسها على أدوات ومجالات الانفاق دون وجود الحسابات الختامية، في انتهاك فض للمادة 62 من الدستور.

فقد اظهرت الموازنة الاتحادية  لعام 2023 قبل تشريعها في البرلمان حتى كتابة هذا العمود من بين أمور عديدة مصادر إيرادات ضاغطة على مداخيل الفقراء ومحدودي الدخل وهي النسبة الكبرى من المجتمع العراقي من خلال فرض ضرائب ورسوم باهظة بالرغم من ان موازنة هذا العام هي الكبرى بين كافة الموازنات منذ العام 2003   فعلى سبيل المثال فقد فرضت الموازنة نسبة 5 في المائة على عوائد اللتر الواحد من البنزين و 10 في المائة على زيت الغاز و15 في المائة على الوقود المستورد وواحد في المائة على النفط الأسود، فضلا عن 25 الف دينار على كل مسافر الى خارج العراق وبطبيعة الحال فان  هذه الضرائب والرسوم ستؤدي الى تعزيز الإيرادات غير النفطية ورفع نسبة مساهمتها الى 13 في المائة، يقابلها ارتفاع في تكاليف النقل للأشخاص والبضائع وارتفاعات جديدة في أسعار السلع والخدمات سواء المنتجة محليا ام المستوردة، وتؤدي في التحليل النهائي الى رفع نسبة التضخم في الاقتصاد وبالتالي الضغط على الحياة المعيشية للمواطنين وخاصة الفقراء وذوي الدخل المحدود، ومع انها أي الرسوم والضرائب توفر للحكومة 400 مليون دولار يقابلها تفاقم حجم الوقود المهرب الى الخارج، والذي عجزت الحكومات العراقية المتعاقبة عن الحد من هذه الظاهرة طيلة السنوات الماضية كل ذلك تتضمنه الموازنات السنوية والسياسة الاقتصادية ما تزال تتشبث بالريع النفطي مع تقليص نسبي من تخصيصات قطاعات الإنتاج الحقيقية في الزراعة والصناعة وقطاعات استخراج المعادن المهمة كالفوسفات والكبريت  وإنتاج الأسمدة التي تنعش الزراعة.

وفي المقارنة مع موازنة 2021 التي تكشف ان اجمالي النفقات العامة بلغت  89،7 مليار دولار وفق سعر الصرف، فيما كان اجمالي الإيرادات 69،9 مليار دولار وكانت قيمة العجز 19،8 مليار دولار مقابل 23 مليارا في موازنة 2019  وان قيمة الاستثمارات في الموازنة    19.6مليار دولار وسعر البرميل الذي حدد في تلك الموازنة 45 دولارا .فماذا حدا مما بدا فحجم الفساد خلال فترة الموازنات الماضية بلغ ضعفي الناتج المحلي الإجمالي ويقدر ب500 مليار دولار وان هناك 755 مشروعا لم تتجاوز نسبة الإنجاز 20 في المائة وعدد المشاريع المتلكئة 359 وعدد المشاريع المتوقفة 182 اما نسبة الفقر في نهاية عام 2018  فقد بلغت  22،5  في المائة، ارتفعت في النصف الأول من عام 2019 الى 34 في المائة حسب بيانات وزارة العمل الشؤون الاجتماعية. كل ذلك يشير الى ان قافلة الفقر تواصل السير في ملف الموازنات ا لسنوية وتتبدد الآمال في تحسين ظروف المعيشة.

ولكيلا تبقى الموازنات السنوية الفلكية أداة في تعظيم الفقر في المجتمع العراقي وزيادة الكلف الاجتماعية واستمرارها في صناعة الطغمة المالية التي تسرق قوت الشعب، فمن الاهمية بمكان مراجعة هذا النهج ومغادرته مستقبلا، نرتأي ما يلي:

  • اعتماد الشفافية في عرض الموازنات على الجمهور من اقتصاديين والأكاديميين ومكاتب الحسابات القانونية ومنظمات المجتمع المدني ومشاركتها في حوار واسع حول شكل الموازنة ومضامينها الاقتصادية والاجتماعية.
  • ضرورة تامين الرقابة الفاعلة المتسلحة بالأدوات والاليات العلمية لضبط إيقاع الإيرادات الوطنية وأساليب انفاقها ومجالاته وضرورة توفير مستلزمات الامن في ضبط الحدود الوطنية ومنع التهريب ومنع المهربين من قطف ثمار افعالهم الاجرامية ولا يمكن تحقيق هذه الاجراءات بتفاصيلها دون تقديم الحسابات الختامية
  • العمل على الإصلاح الجذري للمؤسسات الضريبية وضمان سلامة الوعاء الضريبي من انتهاك الفاسدين والحد من التهرب الضريبي وفرض الضرائب التصاعدية على الطغمة المالية التي تحتكر الثروة الوطنية وإلغاء الرسوم والضرائب المفروضة على الشرائح الفقيرة.
عرض مقالات: