اخر الاخبار

يمر الاقتصاد العراقي في المرحلة الراهنة من أزمة مركبة متعددة الأبعاد ناشئة من بين عوامل أخرى من مفاعيل ارتفاع معدلات التضخم وارتفاع سعر الصرف في السوق الموازي، في نفس الوقت الذي يعاني من تدهور قطاع الانتاج الحقيقي الناشئ من أزمة التضخم التراكمي ذي المعدلات المتفجرة في معظم قطاعاته وانعكاساتها على ارتفاع مستوى الأسعار وانخفاض المستوى المعيشي للمواطنين.

وحسب تصريحات وزارة التخطيط فان نسبة التضخم أقل من 7 في المائة للفترة من آب 2021 لغاية آب 2022 وهو رقم يقل عن تصريح سابق يشير إلى نسبة 8 في المائة، أما معدلات التضخم القطاعية فهي تشكل 11 في المائة في المواد الغذائية ومعدلاته في أسعار السكن والماء والكهرباء 10 في المائة وفي مستوى النقل 17 في المائة، أما في الخدمات الطبية والصحية فتبلغ 28 في المائة بالمقارنة مع تموز في عام 2019.

ومن جهة أخرى فان ارتفاع سعر صرف الدولار وعجز السلطات النقدية والحكومة عن خفضه واستقرار قيمة الدينار هو مظهر لازمة أعمق من الإجراءات الرقابية التي فرضتها وزارة الخزانة الامريكية ونظام التتبع للدولار المحول من العراق، فضعف الثقة بالبنك المركزي والمصارف العراقية والتحويلات الصادرة عبرها يعكس النسبة العالية من التحويلات التي لا تذهب إلى الجهات المعلن عنها رسميا. وبالرغم من التطمينات التي صرح بها محافظ البنك المركزي والمستشار المالي لرئيس الحكومة من أن سعر الدولار سينخفض بالتدريج خلال فترة قصيرة غير ان هذه التطمينات لم تجد انعكاسا لها في السوق الموازي بسبب ضعف السيطرة على هذه السوق وتعاظم الطلب على الدولار خارج المصادر الرسمية المصرح لها..

إن التضخم بطبيعته يؤدي إلى إعادة توزيع الدخول الحقيقية للشرائح الاجتماعية المختلفة لأن الدخول النقدية والأسعار لا تزداد بالنسبة نفسها للقطاعات كافة، إذ أن التفاوت في درجة ارتفاع أسعار السلع والخدمات يؤدي إلى زيادة الدخول لشرائح اجتماعية على حساب شرائح اجتماعية أخرى والنتيجة تنعكس سلبا على المستوى المعاشي لهذه الشرائح فتدني المستوى ألمعاشي يكون من نصيب أصحاب الدخول الثابتة كالموظفين وجميع الذين يعيشون على المعاشات التقاعدية والإعانات والمدفوعات التحويلية (شبكة الرعاية الاجتماعية) وكذلك بعض الحرفيين الصغار والعمال الزراعيين. في حين ترتفع وبدرجات متفاوتة الدخول الحقيقية لفئة المنظمين وأصحاب المزارع والمقاولين والصناعيين والوسطاء وذوي المهن الحرة وأصحاب الشركات التجارية، لأن دخول معظم هذه الفئات تتسم بالمرونة والاستجابة السريعة لتغيرات المستوى العام للأسعار.

واستنادا إلى ما جاء في أعلاه وبما أن معظم الموظفين والعمال يعملون أجراء في القطاع العام لدى الدولة ويشكلون نسبة مهمة من القوى العاملة المستخدمة، فإن التضخم يؤدي إلى خلق ظروف غير مناسبة لبلوغ إدارة كفوءة ولعملية التنمية بشكل عام، نظرا للتأثير النفسي السيئ الذي ينجم عنه لدى الموظفين وذلك بالمقارنة مع الشرائح الأخرى ذوي الدخول المتزايدة في النشاط الخاص الذين تزداد دخولهم النقدية نتيجة لزيادة الأرباح التي يجنونها من ارتفاع أسعار السلع والخدمات التي يبيعونها.

ان الحكومة تتحمل المسئولية الأولى في ارتفاع معدلات التضخم وتداعياتها الاجتماعية لعدم قيامها بإجراءات فعلية تقلل من معدلات التضخم المتهيئة للارتفاع نتيجة لعدم إقرار الموازنة حتى يوم اعداد هذا العمود وعدم وجود برامج تحد من تأثير مستوى التضخم في انخفاض مستويات المعيشة وارتفاع معدلات البطالة والفقر. لهذه الأسباب ومحصلاتها فان واجب الدولة بكافة مؤسساتها  المختصة مطالبة باتباع سياسة نقدية تدفع باتجاه  اعادة سعر الصرف إلى سابق عهده وإعادة قيمة الدينار إلى ما كان عليه لإنعاش الدخل الحقيقي للمواطن العراقي وأعاد النظر بالسياسة الاستيرادية عبر مراجعة نافذة البنك المركزي وبيع الدولار وفقا لحاجة السوق الحقيقية وتنشيط دور الأجهزة الرقابية في محاربة كافة مظاهر السوق الموازي والتشدد في الإجراءات العقابية ومعالجة الخروقات في تصميم الموازنات السنوية المشروطة بتوفير الحسابات الختامية التي دأبت الحكومات السابقة  على تجاهلها وخرق مقصود لمنطوق المادة 62 من الدستور .

عرض مقالات: