اخر الاخبار

يكاد يجمع الكثير من الاقتصاديين العراقيين على أهمية بناء الموازنات السنوية القادمة على مراجعة فلسفة الموازنات السنوية التي تركز على أكثر أبواب الموازنة أهمية والتي تتمثل في تنشيط التنمية وإعادة النظر في نظام التوزيع والتركيز عل قطاع الإنتاج ومراجعة جذرية لحجم الإنفاق العام والتخلص مما هو غير ضروري وغير نافع.

لقد أجرى البرلمان قراءتين لمشروع الموازنة وبالنظر إلى الموازنة من ناحية الشكل والمحتوى فلن نجد تغييرا إلا في الأرقام التخمينية ويمكن القول إنها مستنسخة عن الموازنات السابقة ما عدا كونها معدة لسنوات ثلاث بناء على ما ورد في قانون الإدارة المالية والدين العام وهو تغيير وردت عليه العديد من الملاحظات.

ولتوضيح الترابط  مع الموازنات السابقة لا بد من مراجعة الأرقام المتوافرة عن الإيرادات المالية إذ كان مجموع الإيرادات من العملة الاجنبية للفترة من عام 2005 ولغاية عام 2017، 706 مليار دولار أنفق منها أكثر من 703 مليار دولار والبقية تم تدويره إلى رصيد افتتاحي لحساب وزارة المالية في بداية عام 2018 وكانت نسبة المنفق من الإيرادات المالية الاجنبية 99,5 في المائة من حجم الإيرادات الكلي فضلا عن ذلك بلغ حجم التنفيذ المالي للموازنات السنوية 489 مليار دولار أي ما نسبته 70 في المائة ناهيك عن المنفق على الاستيرادات الحكومية وعقود التراخيص النفطية والمدفوعات العسكرية وخدمة الديون الأجنبية، هذا الكم الصادم من الإنفاق كان وليد جملة من الأسباب تقف في مقدمتها الزيادة في عرض النقد وسوء الإدارة المالية والنقدية والمغالاة في الإنفاق الاستهلاكي الحكومي والخاص وقلة الإنفاق الاستثماري، ويقف على رأس كل هذه الأسباب عمليات الفساد التي تتسلل بين أوعية عمليات الإنفاق الملغمة باللجان الاقتصادية للأحزاب النافذة الناتجة عن فلسفة البنود التي انتهجتها معظم الموازنات السابقة، وكان المفروض الانتقال إلى فلسفة البرامج بهدف تنشيط عملية التنمية والتخفيف من عمليات الفساد التي تمارسها الأحزاب المهيمنة على الوزارات وفقا لمبدأ المحاصصة والتي ترسخ أكثر فأكثر نتيجة لغياب الحسابات الختامية في مخالفة صارخة للدستور المادة 62 .

لكن الملاحظ على موازنة هذا العام المبالغة المفرطة في الإنفاق العام الذي أحدث عجزا كبيرا سيدفع الحكومة إلى الاقتراض الداخلي والخارجي بإضافة أعباء جديدة لا يمكن احتمالها، وفي نفس الوقت تشكل الموازنة الاستثمارية أقل من 25 في المائة وهذا يوضح أن موازنة هذا العام موازنة تضخمية بامتياز وكما في كل عام فإن نسبة الموارد النفطية تشكل 87 في المائة من إيرادات الموازنة يقابله عجز في مصادر التمويل الأخرى بالرغم من حجم الرسوم الباهظة التي يدفعها المواطنون لا أحد يعرف مصيرها.

والغريب في أمر هذه الموازنة أن مجموع الإنفاق على قطاعي الزراعة والصناعة  ثلاثة تريليون دينار ويشكلان معا  أقل من 5 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي، وهذا يعني طلاقا بائنا بينونة كبرى عن أهم قطاعين في الإنتاج الحقيقي، وفي مجال الديون تظهر الموازنة أن مجموع القروض التي تمول هذه الموازنة بلغت 42 تريليون دينار ما يعادل 32 مليار دولار خاصة القروض المخصصة لوزارة الكهرباء البالغة 13 مليار دولار بالإضافة إلى 3 مليار يورو لتضاف إلى 80 مليار دولار أنفقت على الوزارة منذ عام 2004 مما يضع العراق الوقوع في فخ الديون ويعزز من التبعية للاقتصاد الأجنبي  تحملها 10 مليار دولار تسديدا للديون وخدماتها تقابلها نسبة التخصيصات الممولة من القروض الأجنبية إلى النفقات الرأسمالية 20 في المائة ونسبتها إلى تخصيصات المشاريع الاستثمارية 26 في المائة، ومما يزيد الطين بلة أن قسما من هذه القروض تتحصل من بنوك غير معروفة بضمان مؤسسات مالية أجنبية.

نخلص مما تقدم أن البرلمان العراقي مطالب بأجراء تعديلات حقيقية على مفردات الموازنة وخاصة التخلص من حجم الإنفاق ومراجعة مصادر التمويل عبر تنشيط الإنفاق الاستثماري وفرض الضرائب التصاعدية على الطغمة المالية المتخمة بالتراكم المالي والاهتمام الجاد في تنشيط عملية التنمية وإعادة النظر في نظام التوزيع انتصارا للطبقات الفقيرة والمهمشة.

عرض مقالات: