اخر الاخبار

 تؤكد لنا  الجغرافية الاقتصادية  أن معظم البلدان التي تتميز  اقتصاداتها بالضعف  واتبعت  سياسة الانفتاح غير المقيد  قد تعرضت  إلى هجوم ظاهرة الإغراق الذي يعرف بقيام التجار الأجانب بتخفيض أسعار سلعهم بصورة خارج قوانين الاقتصاد بهدف إخراج نظرائهم المحليين من السوق حينما يعجزون عن مواجهة أسعار السلع الأجنبية، وهذه الظاهرة تعبر عن استجابة قصيرة الأمد للانكماش الاقتصادي وسعي مبرمج للدول الأجنبية لاستعباد الدول الضعيفة اقتصاديا في المدى الطويل، ولهذا السبب فعل الحاكم الإداري الأمريكي المحتل لإصدار القرار رقم  37 والغي فيما بعد من قبل البرلمان العراقي في عام 2009.

إن مما ساعد على تفاقم ظاهرة الإغراق في الاقتصاد العراقي عدم تفعيل التعرفة الكمركية وضعف إجراءات السيطرة الرقابية على السلع الداخلة إلى السوق العراقية، مما أدى إلى دخول بضائع تفتقر إلى الجودة وصلاحية الاستهلاك وتعريض صحة العراقيين إلى مخاطر فتاكة عبر انتشار الأمراض بمختلف أنواعها وخاصة الأمراض السرطانية في وقت تعجز المؤسسات الصحية عن تلبية متطلبات مكافحة هذه الأمراض. بالإضافة إلى ما تقدم فإن انضمام العراق إلى منظمة التجارة الدولية وإن بصفة مراقب قد أسهم في  انكشاف الاقتصاد العراقي على الخارج بنسبة تصل إلى 94 في المائة، وفي عام 2017 وصلت درجة الانكشاف إلى 50 في المائة، وفي عام 2016 وصلت نسبة مساهمة القطاع الزراعي إلى 3 في المائة،  ومساهمة قطاعي الزراعة والصناعة معا في  موازنة 2021 اقل من 5 في المائة،   فضلا عن ظهور العديد من التجار المضاربين بهدف تحقيق الربح السريع ارتباطا مع اختلال التوازن بين حجم الصادرات والاستيرادات واختلال الميزان التجاري لصالح البضائع المستورد ة. ومن نتائج سياسة الإغراق التي جرى الحديث عنها في المقدمة انخفاض المنشئات الصناعية الكبيرة فكانت 551 في عام 2017 منشأة بعد ان كانت 616 في عام 2015.

واستنادا إلى إحصاءات الجهاز المركزي للإحصاء فإن إجمالي الاستيرادات للمواد السلعية  في عام 2021 وصلت إلى ما يقارب 17 مليار دولار، ما يعادل 22 تريليون عن سنة 2020 البالغة 15 مليار دولار، أي ما يعادل 18 تريليون، مسجلا نسبة ارتفاع مقدارها 35 في المائة عن سنة 2020،  وأن إجمالي الاستيرادات  لسنة 2021 للمواد السلعية غبر النفطية بلغت 11 مليار دولار، أي ما يعادل 16 تريليون دينا مسجلا انخفاضا مقداره 6 في المائة عن سنة ،2020 وإجمالي الاستيرادات لسنة 2021 للمنتجات النفطية بلغت 6 مليارات دولار أي ما يعادل 9 تريليون دينار بنسبة ارتفاع 1 في المائة عن سنة 2020، حيث بلغ 1.6 مليار دولار أي ما يعاد 1،9 تريليون دينار، وشكل شهر كانون الثاني أعلى نسبة استيرادات للمنتجات النفطية مقدارها 52 في المائة، حيث بلغت قيمتها 3 مليارات دولار بما يعادل 5 تريليون دينار، فيما سجل شهر تشرين الثاني أعلى نسبة للاستيرادات السلعية غير النفطية مقدارها 14 في المائة. ومن هذه الأرقام رغم حالة التذبذب الظاهرة فيها يتبين لنا ان العراق مازال مستمرا في استيراد المنتجات النفطية بما تزيد عن ميزانية الأردن السنوية، في الوقت الذي يحتل العراق مرتبة متقدمة في قائمة الدول النفطية، وكان من الممكن الاستفادة من هذه المبالغ في تطوير قطاعات الخدمات الصحية والتعليمية، دعك من قطاعات الإنتاج الحقيقي في الزراعة والصناعة، مع أن هذه الأرقام تقل بشكل واضح عن قيمة حجم الاستيراد مع دول الجوار وخاصة تركيا وإيران.

مما تقدم يتبين أن السياسة الاستيرادية للحكومات العراقية السابقة تتسبب في إعادة تدوير الإيرادات النفطية لشراء السلع غير النفطية وخاصة التي تدخل في الأمن الغذائي إلى الخارج مع توافر الإمكانات لإنتاجها عراقيا، والأدهى من ذلك استمرارها في استيراد المنتجات النفطية رغم ان العراق مهيأ انتاجيا وتشريعا للاكتفاء من هذه المواد والاقلاع عن هذه السياسات المتخبطة. فهل تستطيع الحكومة العراقية الحالية تخطي تلك السياسات عبر تفعيل القوانين والتشريعات الحمائية التي مضى عليها ثلاث عشرة سنة؟

عرض مقالات: