اخر الاخبار

بعد الاحتلال في عام 2003 دشن العراق عهدا جديدا في شكل ومضمون السياسة الاقتصادية حينما أصدر الحاكم الإداري الأمريكي بوصفه المدير الإداري لسلطة الاحتلال قرارا بإطلاق حرية حركة رأس المال والبضائع والذي كان تمهيدا لانضمام العراق الى منظمة التجارة الدولية بعد ان تكون البنية التحتية للإنتاج قد تحطمت بقوة الحرب التي شنها الامريكان وحلفاؤهم ومن هنا تحول العراق الى بلد مستهلك وانتقل أصحاب رؤوس الأموال الى الأردن ولبنان وغيرهما لممارسة النشاط الاستثماري.

   وبعد ان تشكلت اول حكومة عراقية تم إعداد استراتيجية تنموية، وتم الشروع بوضع المشاريع التي يفترض ان تعيد البنية الاقتصادية في الإنتاج والخدمات حتى وصل عددها الى 9 الاف مشروع في مختلف القطاعات كالماء والمجاري والبلديات ومشاريع الطرق والإسكان وعدد من الجسور والمجسرات والمدارس، ووصل عدد الشركات التي يفترض ان تنهض بإنجاز تلك المشاريع في 8/1/2023 الى 100 شركة (حسب تصريح وزير الإسكان والاعمار ينكين ريكاني ). وتشير تقديرات بعض المصادر الى ان ما انفق على هذه المشاريع يقدر بـ 100 مليار دولار، لكن اغلب هذه المشاريع قد توقف في العام 2014، حين تقلصت موارد البترول الى النصف، فيما توجهت الحكومة الى مواجهة الهجمة الإرهابية الداعشية، لكن هذه الأحداث ليست السبب الوحيد لتعطل هذه المشاريع، منها ان تلك المشاريع اصبحت تجارة رابحة للقائمين عليها، وتخلو من الدراسة الموضوعية لسيرة الشركات الذاتية وقدراتها المالية واللوجستية، ما ساعدت في نشوء العشرات من شركات الصدفة، والمتاجرة بالإحالات على شركات غير ذات اختصاص، بالإضافة الى ظهور شركات وهمية سرعان ما تهرب ادارتها خارج البلاد، مع ضعف الخبرة في التنفيذ، وكان لظهور منظومات الفساد ابتداء من اول حكومة تسلمت مقاليد السلطة ثم توسعت كالوباء في الحكومات اللاحقة، أثر كبير في ذلك.

   لقد حاولت الحكومات المتتابعة معالجة إشكالية تلكؤ هذه المشاريع من قبل الوزارات ذات الاختصاص وفي المقدمة منها وزارة التخطيط بوصفها الجهة المسؤولة عن تخطيط هذه المشاريع بالتنسيق مع الوزارات المعنية، فحسب تصريح لوزير التخطيط السابق فان المشاريع ذات الانجازية الأعلى سيتم اكمالها وهذه العملية تحتاج لـ 126 تريليون دينار في موازنة 2023 ما يعادل 97 مليار دولار، بحسب سعر الصرف المقرر من البنك المركزي غير ان هذا المبلغ الكبير، لا يمكن توفيره في هذه الموازنة مع العلم ان تقديرات اخرى لإنجاز هذه المشاريع تحتاج الى 100 مليار دولار، فضلا عن أن هذا المبلغ، لا يلبي حاجة الوزارات والمحافظات.

   وهروبا الى الأمام، فان كل حكومة تلعن ما قبلها وتحملها مسؤولية الإخفاق وتدعو هيئة الاستثمار الوطنية وفروعها الى إلغاء المشاريع التي كانت نسب الإنجاز فيها بين الصفر و35 في المائة. ويبقى اللوم واللعنات تترى دون اية نتيجة مع وجود 12 في المائة من سكان العراق يعيشون في مناطق تفتقر الى الحد الأدنى من الخدمات، وان 20 في المائة منهم لا يملكون خيارا الا السكن في هذه المناطق، وهذا غيض من فيض من حاجات العراقيين المتراكمة الى الخدمات ومتطلبات الحياة الانسانية.

 إن الدولة بكافة مؤسساتها التشريعية والتنفيذية مطالبة بالتخلي عن الطرق والآليات التي سارت عليها خلال العشرين عاما الماضية، ورسم سياسات اكثر فاعلية على سكة التطور والتنمية المستدامة وفي هذا المجال نرى:

  1. التوجه لإنشاء صناديق سيادية حسب الحاجة وخاصة الاستثمار في إعمار البنية التحتية، لكي تستطيع استكمال المشاريع المعطلة وخاصة ذات المساس بحاجات الناس الأساسية.
  2. التشدد في محاسبة الشركات الفاشلة واستعادة حقوق الدولة ومعالجة الشركات الوهمية، على أن يقترن ذلك بتوسيع الحرب ضد الفساد في أجهزة الدولة بأساليب مقنعة، والتعامل مع الشركات الراسخة ماليا وفنيا.
  3. إعادة النظر في إعادة بناء القاعدة التحتية وتنويع قطاعات الاقتصاد الإنتاجي الحقيقي بهدف تنويع مصادر الدخل وكيما تكون بديلا عن الموارد النفطية في تمويل الموازنات السنوية وتخصيص الجزء الأكبر من الإيرادات النفطية لأغراض الاعمار مع العمل الجاد على تقليص الانفاق العام في الموازنات السنوية.
عرض مقالات: