اخر الاخبار

إن تحرير التجارة الخارجية التي سارت عليها الحكومات العراقية بعد الاحتلال، ومن ثم الانتماء إلى منظمة التجارة العالمية؛ بهدف الاندماج في الاقتصاد العالمي، أسفر لحد الآن إلى الحاق أفدح الأضرار بقطاعات الإنتاج الحقيقي. وذلك لعدم قدرة الاقتصاد العراقي على منافسة البضائع المستوردة ذات الطابع الاستهلاكي، وتسببها بتهالك القطاعات المنتجة: كالصناعة والزراعة. وتعرضهما إلى خسائر جسيمة في الأمد القصير والمتوسط، وبذلك تحولت سياسة الانفتاح بعد انخراط العراق في سياسة العولمة، إلى تدهور واختلال في بنية الاقتصاد العراقي، خصوصاً في ظل غياب سياسة اقتصادية ممنهجة.

لطالما حذرَ خبراء اقتصاد عراقيون، من خطورة اعتماد السوق العراقية على الاستيراد بكميات مفرطة من الدول الأجنبية، مما ترتب على ذلك في السنوات الأخيرة إلى خسارة أكثر من 250 مليار دولار من جرّاء تلك السياسة الاستيرادية الخاطئة، والتي أدت إلى تدمير الإنتاج الوطني الحقيقي؛ كونها منافساً قوياً لا يمكن مقاومته. فقد تدهورت الصناعة والزراعة وتردى الإنتاج في هذين القطاعين وانعكاساتهِ على الناتج المحلي الإجمالي، فضلاً على الآثار العكسية على الشرائح الاجتماعية الفقيرة، واتساع الفوارق الطبقية بسبب غياب نظام توزيعي عادل للدخل. ومن تداعياتها الملموسة أن الصناعة العراقية توشك على التوقف، فضلاً عن أن السلع الاستهلاكية المستوردة التي لا تخضع للفحص والتأكد من سلامتها وتوفر شروط الجودة، مما تلحق الضرر بالصحة العامة. فلطالما تم اكتشاف آلاف الأطنان من السلع منتهية الصلاحية، مما يقتضي والحالة هذه من انفاذ قانون حماية المنتج الوطني رقم 11 لسنة 2010 في القطاعين العام والخاص

ويعد شكلاً للتضليل، ما ورد في تقارير صندوق النقد الدولي التي تشير إلى أن العراق حقق المرتبة الأولى عربياً، والثانية عالمياً، حينما زعمَ أن معدل النمو بلغ أكثر من 9 في المائة، وعزا ذلك إلى ارتفاع الطلب العالمي على الطاقة في تشرين الثاني من عام 2022، دون اجراء مقارنة مع النسب في القطاعات الاقتصادية الإنتاجية المنكمشة على ذاتها في قطاعي الزراعة والصناعة مثلاً، اللذين لا تزيد نسبة مساهمتهما معاً عن 5 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي.  علماً أن الزراعة لوحدها كانت تشكل في خمسينيات القرن الماضي 35 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي، ونسب التفاؤل في تقرير الصندوق  تدلل على تناسي المخاطر المتوقعة لأسعار الطاقة المعرّضة للتراجع على المستوى  العالمي.

 كما أن الصندوق قد تجاهل انعكاس هذا المعدل من النمو الناتج عن توريدات البترول في ظروف دولية تشهدُ صراعاتٍ وحروب، على حياة الشعب العراقي، وما إذا استطاع العراق أو بإمكانهِ في المستقبل المنظور من معالجة أوضاعهِ الاقتصادية المأزومة والمتراكمة في ظلِّ نظام سياسي اقتصادي يقومُ على الهيمنة ومصادرة الثروة من قبل القوى الفاسدة.

وإذا كانت نسبة النمو المتفائلة الواردة في تقرير صندوق النقد الدولي، قد جعلت العراق أولاً عربياً، وثانياً عالمياً، فهل بإمكانهِ استغلال هذه الوفورات في معالجة مظاهر الفقر واسع الانتشار في المجتمع العراقي، والذي وصلت نسبته 30 في المائة تحت خط الفقر أو حتى 25 في المائة حسب تقديرات وزارة التخطيط. فيما تبلغ نسبة البطالة 30 في المائة، فليس من المتوقع وفقاً للسياسات المتبعة معالجة هذه الظواهر، ما لم تتولى الدولة بجدية إيجاد نظام توزيع عادل للدخل وتحقيق العدالة الاجتماعية .

وبناءً على ما تقدم، فإن الدولة مطالبة بمراجعة سياساتها التجارية /الاستيرادية، ونقترح ما يلي:

  1. ضرورة إعادة تأهيل القطاع الحكومي من أجل تحفيز النمو في القطاع الخاص بما يسهم في خلق شراكات استراتيجية.
  2. توفير البيئة الملائمة للاستثمار الأجنبي المباشر في القطاعات التي يعجز فيها القطاع الحكومي من تنشيطها، كالنقل والسياحة والتحول للزراعة الذكية.
  3. انشاء صندوق سيادي استثماري بالاستفادة من الفوائض النقدية المتأتية من الموارد النفطية، خاصة وأن العراق حقق 80 مليار دولار، من واردات تصدير النفط خلال الأشهر التسعة الأولى من عام 2022، ومن المتوقع زيادة هذا المبلغ إلى 120 مليار دولار في نهاية العام.
عرض مقالات: