اخر الاخبار

بينت مخرجات المرحلة الانتقالية بعد التغيير في عام 2003 تفاقما واضحا وتعمقا في الفرز الطبقي، وأبرز اشكاله كما نراها اليوم ظهور طبقات اوليغاركية وبرجوازية بيروقراطية وثالثة طفيلية زبائنية كإنتاج لعمليات الفساد الواسع في معظم اجهزة الدولة واليات التعاقد على مشاريع ما زالت عبارة عن أطلال، وكل ذلك كان حصيلة ثروة تراكمت عبر انشطة ريعية عديمة الصلة بالإنتاج الحقيقي.

 ومن المعروف في النظرية الاقتصادية أن التفاوت في نصيب كل طبقة يعود إلى جملة من العوامل لعل أبرزها الانتفاع من فرص العمل وشكل الملكية السائد وتفاعلاتها مع آليات السوق وسياسة الحكومات الاقتصادية فضلا عن النظام الضريبي المطبق في العراق كأداة فاعلة مفترضة في توزيع الدخل، والاعانات والخدمات العامة.

لكن من الواضح أن توزيع الدخل في العراق يعاني من معوقات سياسية واقتصادية واجتماعية وسكانية بالرغم من وجود وفرة في عوامل الانتاج المولدة للثروة والدخل ويقف في مقدمتها البترول وأراض شاسعة صالحة للزراعة وثروة  مائية تحتاج إلى تنظيم وادارة رشيدة، لكن هذه العوامل تصاحبها زيادة سكانية  كبيرة تنتج عنها نسبة عالية من البطالة بسبب تراجع  عملية التنمية الاقتصادية  وضالة تحصيلات ضريبة الدخل التي قد لا تزيد عن اثنين في المائة من الناتج المحلي الاجمالي. وتعذر نشر تقديرات منتظمة عن التشغيل والبطالة لتداخل مفهوم البطالة مع العمل في الانشطة الفردية والهامشية والعمالة اليومية.

وبالنظر لارتباط العدالة التوزيعية بتوليد الدخل وتوزيعه الاولي بقطاع الزراعة والصناعة التحويلية ودورهما في الناتج المحلي الإجمالي، حيث لم تزد مساهمة الزراعة والصناعة التحويلية في هذا الانتاج عن سبعة في المائة من الانفاق العام الذي اظهرته الموازنة السنوية لعام 2021 فان العمل في اجهزة الدولة صار مصدرا رئيسيا للدخل الأسري إلى جانب البناء والتشييد والنقل والتجارة الداخلية والخدمات غير الحكومية.

وبالنظر لتعاظم نسب الفقر فقد لجأت الدولة إلى التحويلات الاجتماعية لحل اشكالية الفقر وان بشكل ترقيعي، ولكن الدولة في هذا الأسلوب لا تمييز بين الامنين غذائيا عن غيرهم في البطاقة التموينية لهذا اصيبت بفقر الدم فاقتصرت على مواد لا تسمن ولا تغني من جوع، فما تزال توزع بين الجميع بغض النظر عن حجم المداخيل .هذا من جهة ومن جهة أخرى فان الرواتب الممنوحة لموظفي الدولة متفاوتة بشكل صارخ بين المستويات الدنيا في الجهاز الاداري، وبين العليا التي تتمتع برواتب عالية خارج اشتراطات قانون الخدمة المدنية النافذ، إلا أن جل هذه الرواتب قليلة جدا ولا تتناسب مع معدلات  التضخم ومستوى الاسعار اللذين تصاعدا بشكل كبير بعد خفض قيمة الدينار ب 23 في المائة عن مستواه السابق،  لهذه الاسباب مجتمعة فان المستوى المعيشي لعموم الشرائح الاجتماعية يتعارض مع مبدأ العدالة في توزيع الدخل .

 إن هذه الاشكالية بأسبابها ومسبباتها تفرض على الحكومة بوصفها المسؤولة عن رسم السياسة الاقتصادية بكل مسمياتها الانتاجية والمالية والنقدية والتوزيعية تعديل مناهجها الاقتصادية وخططها التنموية باستهداف تحقيق العدالة في توزيع الدخل وتضييق الفوارق الاجتماعية، ونقترح بهذا الخصوص:

  1. ضرورة قيام الدولة بكل اجهزتها بتحقيق امكانية الانتقال نحو اقتصاد منظم وتقنيات حديثة وتنظيم وحدات النشاط المهيمن على الجزء الأكبر من الاقتصاد بين كبير ومتوسط، وتوجيه عمليات الدخل والتشغيل بما من شأنه تسهيل فاعلية السياسات الاقتصادية وتنشيطها نحو تحقيق اهدافها.
  2. إعادة النظر في النظام الضريبي السائد ونظام الخدمة والتقاعد وسلم الرواتب في الجهاز الحكومي والتعجيل في تشريع قانون الخدمية المدنية الموحد بما يقلص التفاوت في رواتب موظفي الدولة وتنظيم القوة التوظيفية بين القطاعين العام والخاص.
  3. إصلاح نظام التحويلات الاجتماعية من قبل وزارتي العمل والشؤون الاجتماعية ووزارة التجارة بحيث تقوم الأولى بتوسيع قاعدة التحويلات الاجتماعية ورفع مقدار المنح وان تقوم الثانية بإعادة النظر بمحتويات البطاقة التموينية وتحسين مفرداتها وشمول المستحقين وفق معايير الدخول.
عرض مقالات: