اخر الاخبار

تشير التوقعات إلى أن أسعار النفط في السوق العالمية تتجه للزيادة أكثر من المعدلات الحالية وتنصرف إلى زيادة الانتاج من قبل الدول النفطية الاعضاء في منظمة اوبك وتشمل الدول الأخرى غير الأعضاء، وبما أن العراق جزء من منظومة دول الاوبك المنتجة للنفط فإنه وفقا لخطط المنظمة سيتجه لزيادة حصته في الإنتاج، والسؤال المهم كيف سيتصرف العراق بالعوائد النفطية المتزايدة في قادم الايام.

إن البقاء على ريعية الاقتصاد كسمة من سمات النظام الاقتصادي في العراق والابقاء على النفط كمصدر اساسي في السياسة المالية الانفاقية وخاصة توفير الرواتب يعد الحلقة الاضعف في استراتيجية التنمية الاقتصادية مثلما حصل في عام 2013 حينما بلغت العوائد النفطية إلى أعلى مستوياتها ولم يخرج الاقتصاد من حالة الركود ولم تستطع الدولة الخروج من هذه الدائرة المغلقة بسبب سوء التخطيط وسوء توزيع الدخل وتوقف المشاريع عن حركة الإنتاج، فإن المعطل من هذه المشاريع زاد على ستة آلاف مشروع لحد الان. وليس من المنطقي التعويل على الايرادات النفطية في قادم السنين لكون الطاقة المتجددة ستقلل في المستقبل المنظور من الاعتماد على المصادر الاحفورية فمن المهم هنا التفكير بالطريقة الامثل لتوظيف الفوائض النقدية المتأتية من النفط في رسم سياسات اقتصادية جديدة تركز على قطاعات الانتاج الحقيقي وفي المقدمة الصناعة التحويلية والقطاع الزراعي الذي يؤمن ليس فقط الأمن الغذائي للسكان الآخذ بالزيادة وانما مصدر مالي مهم في تدعيم خزينة الدولة.

 وبينما كانت الدراسات تنصب على مشروع الورقة البيضاء والذي استغرق سنوات عدة بالتعاون مع البنك الدولي وصندوق النقد الدولي ومجموعة الدول السبع G7 ) ) وكان الهدف منه مراجعة وتقييم مستقبل الاقتصاد العراقي وإعادة التفكير بالاستدامة الاقتصادية والمالية فان المشاكل الاقتصادية والسياسية والازمة الصحية لعام 2019 قد كشفت عن هشاشة الاقتصاد العراقي والحاجة الماسة لإصلاحات قصيرة ومتوسطة المدى، لكن ما تحقق من هذا المشروع لا يزيد عن تغيير في سعر الصرف والتخطيط لتخفيض العجز في الناتج المحلي الاجمالي من 20 في المائة إلى 3 في المائة والعجز في الرواتب من 25 في المائة إلى 12،5 في المائة وزيادة العوائد من الضرائب والرسوم الكمركية بما يتعدى المجالات الخدمية والمالية وهذه جميعها غير قابلة للتصدير مما يعني الفشل في تنويع مصادر الدخل.

إن الحقائق والقراءات المالية تكشف عن مؤشرات منخفضة في حصيلة الايرادات غير النفطية وإن اجمالي المتحصل من ضرائب الدخل والملكية والضرائب غير المباشرة (الكمركية) وأرباح الشركات العامة والايرادات التحويلية (امانات الضرائب المتراكمة من سنوات سابقة ) فضلا عن حصة العراق من سيولة صندوق النقد الدولي التي منحت لبلادنا في آب 2021 بنحو ما يقارب 3 تريليون دينار، وقد عدت جميع تلك التدفقات المالية إيرادا فعليا للخزينة العامة بلغت 8 تريليون دينار حتى نهاية تشرين الاول 2021، ومن المتوقع ان يبلغ رصيدها الاجمالي للسنة المالية 2021 بين 9-10 تريليون دينار موزعة كالآتي: 5 تريليونات ضرائب ورسوم مع تريليون دينار حصة الخزينة من أرباح الشركات العامة زائدا 4 تريليونات دينار ايرادات تحويلية .ويستنتج من ذلك أن الايرادات غير النفطية قد حققت 50 في المائة من تقديراتها وذلك بسبب التهرب الضريبي وضعف الجهاز الضريبي كما أن 70 في المائة مما يسمى بالسوق الرمادية متهربة عن دفع الضريبة فيما يكون المفروض بالسوق ان تكون القوة المولدة للناتج المحلي الاجمالي غير النفطي بنسبة 65 في المائة  الأمر الذي يتطلب التحري عن الاوعية المتهربة  من دفع الضريبة.

كل ذلك يتطلب ان تكون توجهات الحكومة الجديدة منصبة على آليات مؤسساتية ومنها انشاء صناديق تمويل سيادية تمكنها من الاستفادة من الموارد الطبيعية وإلى الجدية في محاربة الفساد خارج الاسلوب الشعاراتي الدوغمائي ووضع سياسات تضمن الأمن المائي والأمن الغذائي وصولا إلى سياسة تحصن العوائد النفطية وتحولها للتنمية المستدامة.

عرض مقالات: