اخر الاخبار

جدّد فوز اليسار في الجولة الثانية من الانتخابات التشريعية الفرنسية، الأمل في رؤية فرنسا تسير نحو العدالة الاجتماعية وتحقيق المساواة والكرامة للجميع. نجاح اليسار ليس فقط انتصارًا انتخابيًا، بل هو علامة على قوة العمل المشترك، حيث نجحت الأحزاب المكونة للجبهة الشعبية الجديدة، في تجاوز خلافاتها وعقد تحالفات عاجلة. العمل المشترك هو الذي مكّن ائتلاف اليسار من الحصول على المرتبة الأولى بين القوى السياسية رغم عدم تحقيقه الأغلبية المطلقة. هذا الانتصار الانتخابي للجبهة، التي تأسست بعد إعلان الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون حلّ البرلمان وتنظيم انتخابات مبكرة، أعاد تشكيل المشهد السياسي الفرنسي بشكل جذري.

جاء الفوز رغم ترجيح استطلاعات الرأي التي أشارت إلى تقدم اليمين المتطرف بفارق مريح عن ائتلاف اليسار، ومع غلق مكاتب الاقتراع، انقلبت التوقعات، حيث تمكن ائتلاف اليسار من الإطاحة بالتجمع الوطني اليميني المتطرف، ومنعه من الحصول على مزيد من الأصوات بعد تصدره الجولة الأولى. لقد استفاد ائتلاف اليسار من ارتفاع نسبة المشاركة التي لم تُسجل منذ أكثر من 40 عامًا، ونجح في جذب أصوات الشباب، إذ بيّنت النتائج تحولا لافتا في مزاج الشباب، حيث منح أغلبيتهم الأصوات لليسار.

الفوز اللافت يضع اليسار أمام تحديات كبيرة في المرحلة المقبلة. من أهم هذه التحديات تحديد مرشحه لرئاسة الحكومة، خاصة في ما يتعلق بجان لوك ميلينشون، الذي يواجه بعض المعارضة داخل الجبهة. كما سيواجه اليسار معارضة قوية من الأحزاب اليمينية التي قد تعرقل تنفيذ سياساته في البرلمان والمجالس المحلية. فيما يشكل الدين العام والعجز المالي عائقًا كبيرًا أمام تنفيذ برامج اجتماعية مكلفة دون زيادة الدين، حيث تعاني فرنسا من دين عام كبير، ما يشكل عائقًا كبيرًا أمام تمويل البرامج الاجتماعية التي تتطلب موارد مالية كبيرة، ما قد يستدعي زيادة الضرائب أو تقليل الإنفاق في مجالات أخرى. فيما ستكون المواجهة الصعبة مع ارتفاع معدلات البطالة العالية وتقديم فرص عمل جديدة، خاصة في ظل التغيرات التكنولوجية والعولمة. كما سيواجه اليسار امتحان صدقية وعوده في تحسين أوضاع المناطق الريفية التي تشعر بأنها مهملة مقارنة بالمناطق الحضرية في توزيع الموارد والخدمات.

هذا إلى جانب ملفات أخرى لا تقل أهمية عمّا سبق، ومنها ما يتعلق بالهجرة والاندماج. فقد تواجه سياسات الهجرة والاندماج مقاومة من قبل بعض الفئات الاجتماعية التي تخشى من تأثير المهاجرين على سوق العمل والثقافة المحلية.

يمثل فوز اليسار في فرنسا فرصة لتحقيق تغييرات جذرية في السياسات الاجتماعية، الاقتصادية، والبيئية، لكنه يأتي مع مجموعة من التحديات المعقدة. نجاح اليسار في التعامل مع هذه التحديات سيتوقف على قدرته على التوفيق بين مختلف الآراء والمصالح، ووضع سياسات فعالة ومستدامة تخدم مصلحة المجتمع الفرنسي ككل.

 

عرض مقالات: