اخر الاخبار

لافتةٌ هي الفطنة الشعبية العراقية التي أضافت كلمة “سريع” الى اسم العريف البطل حسن، وسمته “حسن سريع”، ولم تقل “المتسرّع” كما “قيّمه” بعض المتثاقفين الذين وجهوا سهام نقدهم الجارح للجسور المقدام، الذي باغت أقذر من انتظموا في حزب البعث الفاشي وحلفائه، وفاجأهم يوم 3 تموز 1963 بحركته العسكرية الباسلة، التي جعلتهم يرتجفون هلعا.

لم يتحمل نائب العريف حسن سلمان محسن السكوت على الجرائم التي اقترفها الفاشست بانقلابهم الدموي يوم 8 شباط 1963، وقتلهم الجبان زعماء ثورة 14 تموز المظفرة، وقادة الحزب الشيوعي العراقي البواسل، والشخصيات الديمقراطية المكافحة من أجل إحلال الديمقراطية في العراق. كان ذلك فوق طاقة ابن العائلة الفقيرة، المولود عام 1937 في كوخ من الطين يعلوه سقف من قصب البردي في إحدى قرى السماوة، وهو الذي وجد في ثورة تموز أملاً بتحقيق حلمه في العيش الكريم والاستقرار، بعد ما عانى أهله الأمرَّين من ظلم الإقطاع وتسلطه. فهو لم ينسى إبعاد أبيه بقرار تعسفي إلى مدينة عين التمر في كربلاء، ولا عسر الحال وشظف العيش، واضطراره للتطوع في الجيش من اجل اعانة أهله على مواجهة الفقر المدقع، دون أن يتخلى عن طموحه الى إكمال دراسته التي اضطر إلى قطعها، وعاد لمواصلتها في المدارس المسائية.

لست ميالًا إلى السيناريوهات الافتراضية، سواء من المتخيلين نجاح محاولته بإسقاط حكم الفاشيست الدموي، أو من يرون أنه استعجل المحاولة وكان عليه أن ينتظر، كي يستكمل التهيئة وينسق أكثر مع أصحاب المصلحة في التغيير. لذا أرى أن الضرورة تستدعي إعادة قراءة انتفاضة الجنود البواسل يوم 3 تموز، قراءة طبقية بعد أن شوهتها السلطات الحاكمة وأقلام مرتزقتها لسنوات طوال. وإذ تتعذر هنا الإحاطة بكل جوانبها وفواعلها وسير أحداثها، تبقى الحاجة قائمة  الى دراستها وفق المناهج العلمية، وتحليل أحداثها ارتباطًا بزمانها ومكانها وتأثيرات الأوضاع السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية في تلك الحقبة الزمنية، وأن تشمل دراسة أوضاع فقراء العراق، وقسوة الأنظمة المتسلطة التي لم ترحمهم، حيث تولد عندهم وعي طبقي عميق لا يمتلكه أدعياء الثقافة، ولا يمكن للمتحذلقين وحملة اقلام  الطبقات المترفة استيعابه. وهم الذين لا يدركون أبعاده على النفس البشرية التي عانت من قسوة الفقر والاضطهاد الطبقي، ونظرات الاشمئزاز التي تلاحق أبناء بيوت القصب والطين في هوامش العاصمة. تلك النظرات التي لم يكن يخفيها رجال السلطة والإقطاع بفوقية تجاه أبناء الجنوب الوافدين إلى بغداد.

عندما تُقدَّم دراسة مستفيضة شاملة بمنهج علمي، تحيط بكامل صورة المشهد بعناية واهتمام يليق بمن امتلكوا الجسارة والتصدي باقدام، ولم يجدوا غير كوخ صغير في منطقة (كمب سارة) ملجأ سريا للاجتماع أقسموا فيه (بتربة هذا الوطن أن نحرره من رجس المجرمين)، حيث خططوا وليس فيهم من تخرج من كليات الأركان العسكرية، ونفذوا انتفاضتهم بعد السيطرة على مشاجب السلاح والحراسة في معسكر الرشيد، وأسروا وزراء وضباطا كبار.

حينما تُجرى الدراسة التاريخية بعمق،  تكون الإجابة كاملة باستحالة صبر حسن سريع ورفاقه يوم 3 تموز 1963 على  جرائم الفاشست بحق العراق. وعندها يمكن أن نستوعب تلك الحركة الفريدة بجرأتها، إذ لم تسجل كتب التاريخ أن جنودًا قاموا بفعل ثوري هزّ أركان نظام فاشي، وتصدرهم  قائد فذ جسور صلب، وقف بمنتهى الشجاعة أمام المحكمة الصورية ليقول: “أنا المسؤول الأول عن الحركة، وأتحمل كافة عواقبها”.

قائد راح يردد عندما نفّذ فيه القتلة قرار الإعدام يوم 31 تموز 1963، وبصوت هادر:

 

السجن لي مرتبة والقيد لي خلخال 

والمشنقة يا شعب مرجوحة الأبطال

عرض مقالات: