اخر الاخبار

خرست أبواق طغمة الحكم ولم تتفوه بكلمة دعم للمواطنين في معاناتهم مع أزمة الكهرباء، وانقطاعاتها المتكررة في الجو المتلهب حرارة. ولا غرابة في ذلك، فواجب البوق هو التسبيح بحمد مولاه. لكن انزواءهم في هذا الوقت والكف عن المديح هو تدبير أيضًا يأملون أن يقيهم غضب المواطنين المحتجين على سوء الخدمات الصارخ.

بطبيعة الحال لا يهتم البوق بغير العطايا المذلة مقابل النفخ في البوق، أو الصمت حينما يشتد الغضب، لكن المعاينة المتبصرة لأداء الأذلاء وهم يبررون المساوئ، تظهر انه لا يقتصر على  نفخ البوق أو التواري عن الأنظار لبرهة. فهناك منهم من جعل نفسه خبيرًا في حل أزمة الكهرباء عبر خصخصتها، حيث يكمن الحل برأيه في بيع أصول البنى التحتية للطاقة الكهربائية، والمقصود طبعا بيعها لأحد حيتان الفساد المتخمين بالعار، والذين لا يفقهون الا في إدارة الفساد وفي التفنن بنهب المال العام، دون اكتراث لوصمة العار المخزية التي تبقى تلاحقهم.

ومن المؤكد ان اللعبة القذرة للاستحواذ على أصول قطاع الكهرباء ستمضي قدما، إن لم نتصدى لها بحزم. فعرّابوها يسعون إلى تعبيد طريق الخصخصة بأبشع صورها، وينصب اهتمامهم على جني الأرباح لا غير. فهدفهم هو الربحية دون اكتراث للأهداف الاجتماعية، كالوصول العادل إلى الخدمات، بل ومع التجاهل التام للأبعاد الاجتماعية للخدمات العامة.

الأوليغارشيون ذوو الثراء الفاحش لا يعنيهم حق المواطن في الحصول على الخدمات، لان غايتهم كما قلنا هي الربح والمزيد من الربح، ومن أجل هذا تمترسوا في مفاصل الدولة، واستخدموا نفوذها لتوجيه العقود الحكومية والمشاريع الاقتصادية لمصلحتهم، وأحكموا السيطرة على قطاعات اقتصادية حيوية مثل البنوك والعقارات.

ان ترك خدمات الكهرباء في تردٍ دائم ليس سببه العجز عن إيجاد حلول ناجعة، بل هو فعل متعمد غايته إيصال المواطن إلى حالة يأس من قدرة الحكومة على حلها، كي يكون الطريق سالكًا لتسليمها بأسعار زهيدة إلى حيتان الفساد، الذين يستغلون تأثيرهم على طغمة الحكم  لتسهل لهم الاستحواذ على قطاع الخدمات الحيوي، عبر الإسراع في تشريع القوانين التي تطلق إجراءات الاجهاز على هذا القطاع. يرافق ذلك اشتداد زعيق الأبواق بتسويق الحل الكارثي عبر خصخصة قطاع الخدمات. وبعد الإجهاز تمامًا على أهمها، يرفع الحيتان شعار”أفضل الخدمات لمن يدفع أكثر”. وعندها يكتمل وضوح الصورة وسعة الفجوة التي تفصل طبقة النهابين الحرامية عن الطبقات الفقيرة المحرومة.

من هنا فإن السماح للطبقة الأوليغارشية النفعية بتوسيع اطماعها، والسكوت على قضمها القطاعات الحيوية، هو رضوخ لعزمها على ابتلاع مرافق العراق وإلحاقها بممتلكات فسادها، وهو تحدٍ كبير أمام مهمات التنمية المستدامة والعدالة الاجتماعية. تحد لا بد ان تتصدى له الأطراف المعنية جميعا، وفي مقدمتها قوى التغيير والعدالة الاجتماعية.

عرض مقالات: