السخرية المرّة هي رد الفعل الشعبي على العراك الذي شهده مجلس النواب مساء السبت الماضي. فقد بانت خيبة الامل ازاء المشهد المخزي للنواب الذين لم يجدوا غير العراك والشتائم البذيئة طريقة لحسم صراعهم مع بعضهم. الصراع الذي لا علاقة له بخدمة الشعب، وانما بالتنافس على النفوذ الذي يضمنه موقع الرئيس.
تتغير تحالفات المتنفذين وتتبدل مساوماتهم وتتحول ولاءات كل طرف منهم في جلسات انتخاب رئيس مجلس النواب، وتشتد حمى “البازار” ومعها سعار بيع وشراء أصوات من يعرضون أصواتهم لمن يدفع اكثر. وهذا كان قد حصل مرارا حسب المعلومات والاخبار المتناقلة، وحدث في جلسة 13 كانون الثاني 2024، التي انتهت بعراك ومشادات كلامية وبفشل المجلس في انتخاب رئيس له، بعد منافسة حامية بين شعلان الكريم مرشح حزب تقدم، وسالم العيساوي مرشح عزم، ومحمود المشهداني المدعوم من دولة القانون، فتشتت الأصوات ولم يحرز أيّ منهم عدد الأصوات الذي يضمن له المنصب.
ويبدو ان الهدف من الاخلال بصفقة (التوافق) الذي رسخته طغمة الحكم كأسلوب لتقاسم السلطة والمنافع، هو افشال انتخاب رئيس للبرلمان، كي يبقى شاغرا فيدار بالوكالة كما الحال منذ الغاء عضوية رئيسه السابق محمد الحلبوسي، وسحب المنصب منه بموجب قرار المحكمة الاتحادية التي حكمت عليه يوم 14 تشرين الثاني 2023 بالتزوير. وقد حصل ما حصل في جلسة 18 أيار الجاري، بعد ان تغيرت المساومات وتبدلت المواقع وفقا للمصالح الشخصية والحزبوية، واصبح محمود المشهداني ممثلا لحزب تقدم بعد ان كان منافسا له في جميع الانتخابات السابقة.
ورسخ الفشل في انتخاب رئيس المجلس، الذي منحت المحاصصة واعرافها موقعه لأحزاب الطغمة التي تدعي تمثيل (السنة)، رسخ الانقسام الحاد بين الأحزاب المذكورة وأظهر اخلالها الفاضح بمبدأ المواطنة، حيث لا يمكن ان يفوز بالمنصب أي مرشح يرفض هذا العرف المخل. فاذا تجرأ نائب وطني رافض للمحاصصة على ترشيح نفسه، فانه يصبح مادة للتندر، ولا يحصل الا على بضعة أصوات، كما حصل للمرشح النائب عامر عبد الجبار.
وعكس الفشل، من جهة أخرى، تشتت أدعياء تمثيل الشيعة، وهم يصوتون لهذا الطرف او ذاك. وبدا ان انقسام نواب (الاطار التنسيقي) وتوزع أصواتهم بين المتنافسين، لم يأت تعبيرا عن تباين اجتهادات أطراف الاطار، وتقاطع انحيازات المرشحين، وانما كان توجها غايته تشتيت الأصوات، كي لا يحصل أيّ من المرشحين على 165 صوتا او اكثر بما يضمن فوزه بالمنصب. ذلك ان المنصب يدار حاليا بالوكالة من قبل النائب الأول لرئيس المجلس محسن المندلاوي القريب من الاطار. وبمنطق كون المناصب غنائم، لا يجد الاطار مصلحة له في الاستعجال بتسليم موقع الرئاسة، ما دامت الفرصة سمحت له بمسك المنصبين المهمين في النظام السياسي، المنصب التنفيذي - رئاسة مجلس الوزراء، والمنصب التشريعي - رئاسة مجلس النواب.
والمفارقة في كل هذا أن مجلس النواب المنقسم في انتخاب رئيس له، سرعان ما يتوحد ويقف وقفة رجل واحد، حينما يشعر ان مصالح الطغمة بمجموعها تتعرض للتهديد من جانب الشعب.