اخر الاخبار

لم ينتابني العجب حين لاحظت رفع يوم 14 تموز من مشروع قانون العطلات الرسمية، الذي قدمه مجلس الوزراء الى مجلس النواب لمناقشته وإقراره. وهذا ليس لأن 14 تموز يوم مجهول، لم يسمع به أعضاء مجلس الوزراء، انما لأنه يوم معلوم وواضح، كونه نقطة فاصلة بين التبعية والاستعباد والاذلال من جهة، والتحرر والتمسك بالسيادة وعدم الرضوخ لهيمنة المحتل ولمصالح الأجنبي وحفظ كرامة العراقي من جهة اخرى.

كلا، لم يسقط ذكر يوم 14 تموز سهوا عند طباعة المشروع، انما القصدية واضحة في ذلك، وهذه هي المحاولة الرابعة لمحو هذا اليوم من تاريخ العراق المعاصر، وهو السياق الذي سارت عليه السلطات التي أرّقتها قيم قادة الثورة وسلوكهم المتسم بالتواضع والبساطة والنزاهة ونظافة اليد. كما ان التركيبة الاجتماعية للطغمة التي أمسكت الحكم بعد 2003 ولا تزال، تفرض سطوتها ونفوذها، وهي غير التركيبة الاجتماعية والسلوكية التي نفذت ثورة 14 تموز 1958، وادارت الحكم لمدة أربعة سنوات، حققت فيها إنجازات لم تحققه جميع الحكومات التي تعاقبت على حكم العراق، بالكم والكيفية وسرعة وتيرة الإنجاز ودقته.

لم تدخر المخابرات الأجنبية دسيسة الا واستخدمتها للاساءة للثورة والتآمر عليها، وفي 8 شباط 1963 تكللت افعالها الشنيعة، واستغلالها أخطاء قادة الثورة، الى جانب فواعل وعوامل أخرى، بانقلاب خططت له المخابرات البريطانية والأمريكية ودعمته. واقترف من وصلوا حينها الى السلطة بقطار امريكي، كما عبر لاحقا أحد الانقلابيون، جرائم بشعة، واقاموا حمامات دم لكل من تصدى لهم وعارضهم. وكان الهدف من كل ذلك هو محو يوم 14 تموز من الذاكرة الشعبية، ووئد إنجازاتها الوطنية الاقتصادية والاجتماعية والسياسية.

ولم يكفّ المرتهنون للمصالح الأجنبية، بل حاولوا تمرير يوم أسود أخر، هو 17تموز 1968 كعطلة رسمية، بدلا من يوم 14 تموز، وذلك حينما انقلبوا على بعضهم كعادة الخونة والغدارين، ليعكسوا انحطاط القتلة وصراعاتهم على كراسي السلطة.

ثم جاءت محاولة ثالثة، قبل عامين، افتعل فيها أميو التاريخ يوما آخر كعيد وطني، هو الثالث من تشرين الأول بديلا عن 14 تموز، وكانت محاولة بائسة يائسة في سياق المساعي الرامية الى محو هذا اليوم من الذاكرة. لكن من افتعل هذه المناسبة لتكون عيدا وطنيا عوضا عن 14 تموز، لم يجد من يحتفل معه من أبناء الشعب بهذه المناسبة، التي استقبلها عامة المواطنين كنكتة غبية تستحق التندر والسخرية.

لم تنجح تلك الأوساط والجهات، رغم كل محاولاتها، في رفع يوم 14 تموز من قائمة العطل الرسمية، كما لم تتمكن من محو هذا اليوم من الذاكرة الشعبية. ولم ينفع السلطة تفتق ذهن بعض “مفكريها” عن دعوة لاستبعاد هذا اليوم تماما من العطل الرسمية، حالمين مثل العصافير، بان يختفي هذا اليوم ويندرس من يحتفلون به، ويتم نسيان وطنية وعفة رجالاته ونظافة أيديهم، وان يتلاشى ذكر ما حققوه من إنجازات تحرجهم وتكشف عار فسادهم والولاء للأجنبي والتبعية للخارج، وتشكل ادانة لكل من أداروا ويديرون ظهورهم للشعب، وينهبون ثروات البلد بدلا من استثمارها في التنمية والاعما. الى جانب تمزيق نسيج العراقيين وفق الطائفية السياسية المقيتة، بدلا من ترسيخ مبدأ المواطنة المتساوية بينهم، وإشاعة النزاهة كقيمة إنسانية شكلت سمة من سمات السلوك الراقي لقادة ثورة 14 تموز.

فلهم ولـ 14 تموز المجد، وتبقى ذكراهم وذكرى ذلك اليوم خالدة، لا يمحوها أيّ قانون أو مشروع سلطوي. 

عرض مقالات: