اخر الاخبار

يواجه المواطن العراقي في هذه الأيام محنة ارتفاع سعر صرف الدولار في السوق الموازي الذي يقابله انخفاض قيمة الدينار وانعكاساته في ارتفاع مستوى الأسعار   وخاصة أسعار الاستهلاك اليومي سواء المتعلقة في مشترياته اليومية من مأكل ومشرب وملبس وحاجاته اليومية من مختلف الخدمات الصحية حيث تتزايد المستشفيات الاهلية والمراكز الطبية الخاصة والتعليمية خصوصا بعد انتشار التعليم الأهلي يضاف إلى كل ذلك الارتفاع الجنوني في أسعار الأدوية أمام أنظار وزارة الصحة ونقابة الأطباء ونقابة الصيادلة.

    والعراق ما زال يدور في ملعب الدولار وفلكه ولكننا كاقتصاديين مدعوون إلى البحث عن كيفية انهيار عملة قوية في العراق انهيارا مقلقا ليس بسبب الأزمات الاقتصادية او بسبب عدم وجود الاحتياطيات الكافية، وإنما بسبب قرارات سياسية لا تكون إدارة الدولة على قدر كاف من المسؤولية، وما يجري اليوم أشبه ما حدث في الاعوام 1980--2003. فبعد ثورة تموز وخروج العراق من الكتلة الاسترلينية كانت قيمة الدينار العراقي 3،377 دولارا مقابل الدينار وكانت حصة الفرد العراقي من الناتج المحلي الاجمالي في عام 1950 وبأسعار عام 1980 (604) دولارا وازدادت في عام 1980 إلى 4219 اي بحوالي 6،5 مرة وانخفضت إلى (485) عام 1993 نتيجة لاختيار طريق الحرب بديلا عن السلام مع إيران ومن ثم دخول الكويت عام 1990. وفي عام 1996 انخفضت قيمة الدينار عشرة آلاف مرة، وخلال فترة الحصار لجأ البنك المركزي إلى طباعة العملة العراقية بمختلف فئاتها مما فتح الباب إلى عمليات تزوير العملة بنطاق واسع ومؤشرات التضخم ارتفعت من 3،6 في عام 1990 إلى حوالي 7000، ومنذ  عام 2003 بدأ الدينار العراقي يأخذ طريقه إلى التعافي وتركزت سياسة البنك المركزي على ثبات قيمة الدينار العراقي بحدود 1200 للدولار لتستقر   شيئا فشيئا، كما ان التضخم اخذ بالاستقرار ليصل إلى زيادة سنوية تصل إلى 10 بالمائة، متبعة سياسة بيع الدولار عن طريق البورصة من أجل سحب السيولة النقدية للتخفيف من معدلات التضخم وثبات قيمة الدينار تجاه الدولار .

    ونحن  اذ نتابع ازمة الدينار الذي تتهاوى قيمته يوما بعد آخر لابد من الأخذ بعين الانتباه  تصريحات  محافظ البنك في المؤتمر المصرفي السنوي الأول الذي احتضنته مدينة أربيل في تشرين الأول من هذا العام اذ اعتبر أن عملية استقرار سعر الصرف للدينار مقابل الدولار كبيرة تتطلب اجراء تغييرات بالنظام التجاري العراقي  والتحويل المالي إلى خارج البلاد  وانه يتعين ترسيخ القواعد التي نص عليها قانون مكافحة غسيل الأموال وتمويل الإرهاب رقم 39 لسنة 2018  وتطبيق الممارسات والمعايير الدولية بما يحفظ سلامة النظام المالي من المخاطر والإجراءات المحلية والدولية  وبما يؤمن شفافية وسلامة العمليات المالية

     بيد اننا ونحن نتحدث عن السياسة النقدية والتغيرات في قيمة الدينار العراقي ازاء الدولار لابد من التوضيح إلى أن السياسة النقدية هي انعكاس للسياسة المالية، ومن المعروف ان سياسة السوق المفتوح وانعكاساتها على تجارة السلع الاستهلاكية حد الاغراق تطلبت توفر العملة الصعبة (الدولار )، واليوم أخذت قيمة الدينار تنخفض بشكل مثير للقلق إزاء الدولار حتى وصل إلى اكثر من 1600 للدولار الواحد مما أدى إلى اتساع نطاق المضاربة في السوق من جراء زيادة الطلب على الدولار في ظروف أشد سخونة في الجانب الأمني مما يفسح في المجال للمضاربين وتجار العملة توظيف هذا  الظرف المضطرب  للتلاعب بسوق العملة، وهذه العملية ليست بعيدة عن نشاط مافيات الفساد الموجودة  في قمة الهرم الحكومي مما يتطلب اتخاذ اجراءات حقيقية رادعة على الارض بثبات والابتعاد عن الموسمية وعدم الاكتفاء بإصدار القرارات  والتصريحات العائمة مهما كانت،  وهذا يستدعي وضع آليات فاعلة  وتشريعات عقابية رادعة  وتفعيل دور الاجهزة الرقابية وجهاز الامن الاقتصادي في وزارة الداخلية مع الاكثار من كمية العملات الاجنبية المعروضة ومراقبة الجهات المستفيدة واتباع تعليمات البنك المركزي سبيلا لمعالجة هذه الازمة  فهل سنرى لتصريحات السيد المحافظ  ترجمة على أرض الواقع؟

عرض مقالات: