اخر الاخبار

يعاني العراق من إشكالية سكنية متعددة الجوانب في تحقيق الاكتفاء السكني الذي يتطلع إليه معظم العراقيين وخصوصا الطبقات الفقيرة والمتوسطة ذات الدخل المحدود، تركت آثارا مروعة تتجلى في كثرة الأحياء العشوائية التي تنتشر في المدن الرئيسية وفي المقدمة مدينة بغداد تليها مدينة البصرة ومدن أخرى، ولهذا حاولت الحكومات المتعاقبة تضمين سياستها السكنية على تغطية الفجوة في سوق الإسكان من خلال الخطط التنموية التي لم تظهر إلى النور بسبب عوامل وتحديات عجزت تلك الحكومات على مواجهتها مما ترتب عليها انفلات هذه السوق عبر التناقض في سياسات التشريع والتمويل والاستثمار.

واستنادا إلى ما ورد في تقرير على موقع (واي نيوز الاقتصادي) فإن سوق البناء يمكن أن ينمو بنسبة 5.5 في المائة هذا العام بمعدل سنوي متوسط مقداره 5 في المائة للسنوات 2024-- 2027، وسيكون متوسط النمو هذا مدعوما بالعمل الجاري في العديد من المشاريع المعطلة إلى جانب ارتفاع أسعار النفط، ومن ذلك يتبين أن تطور مشاريع الطاقة والنقل سيؤدي إلى تنشيط السوق الاقتصادي وتوفير فرص العمل الأمر سيستتبعه نشاط في سوق الإسكان حينما تكون السياسة الحكومية مخططة وواضحة على قدر من الشفافية والوضوح.

غير ان الأهم في تحليل سياسة الإسكان المفترضة ليس فقط القدرة التمويلية الحكومية  والائتمان المصرفي  وانما الأخذ بعين الاعتبار عوامل زيادة الطلب على الوحدات السكنية  والتي تتمثل بالهجرة والنزوح  وخاصة من الريف إلى المدن أو و أطرافها والتي تتجسد  بالأحياء العشوائية الكثيرة التي تعاني التهميش في السكن اللائق ومجمل الخدمات التي تفتقر لها بالإضافة إلى الزيادة السكانية  المضطردة  بشكل لافت، حيث معدل النمو السكاني والبالغ 2.6 بالمائة هو الأعلى في العالم، زد على ذلك العلاقة بين سوق السكن وسوق الأراضي ومدى تأثير ارتفاع قيمتها في سوق السكن  ومع تكاليف البناء  وعلاقتها إجمالا مع  السوق المالي على المدى القصير والمتوسط  والمدى الطويل يضاف اليها مستوى الدخول وسياسة الاستثمار الحكومية .

بيد أن الإشكالية الأبرز في سوق السكن التي ظهرت في العراق في سنوات ما بعد عام 2003 وعل الأخص السنوات الثلاث الأخيرة، تتجلى في توافر أموال غريبة أسهمت في رفع أسعار العقارات في بغداد إلى مستويات قياسية، فعلى سبيل المثال أن سعر المتر في أحياء المنصور واليرموك ارتفعت من 5 آلاف دولار إلى 17 ألف دولار، وهذا التواصل في ارتفاع الأسعار يثير الشكوك في مصادر هذه الأموال،  وعلى الرغم من الأزمات الاقتصادية  وانتشار كوفيد 19 في السنوات الثلاث الأخيرة لكنها لم تحد من عمليات الشراء ما أدت إلى دخول رجال الأعمال والأموال غير الشرعية المتأتية من غسيل الاموال وعمليات تهريب السلع والنفط  والاتجار بالمخدرات وعمليات الفساد المالي والإداري ( جريدة الانديبندت العربية )، وهذا اللهاث يعكس من جانب آخر توجه شريحة واسعة من الأثرياء الجدد الذين ولدوا من نتاج تعاملات اقتصادية مختلفة مع مؤسسات الدولة لشراء عقارات بمبالغ خيالية غير مشهودة في تاريخ العراق ولا يظنن أحد أنها حالة صحية تنتشر في أحياء المنصور واليرموك  والحارثية والقادسية  ولم تحد منها إجراءات البنك المركزي الذي قرر الإشراف على العقارات عبر المصارف بالتنسيق مع دوائر التسجيل العقاري. وليس أدل على ذلك مما كشفته سرقة القرن في الكيفية التي تم تبييض أموال الأمانات الضريبية في شراء العقارات بمبالغ خيالية في مناطق اليرموك وشارع الأميرات وما زالت تفاصيل هذه العملية وسراقها يكتنفها الغموض.

إن ما يجري في سوق الإسكان من غسيل الأموال والتهرب الضريبي يتطلب من الدولة بكل مؤسساتها معالجته عبر إسهامها في انشاء مدن سكنية قليلة الكلفة ومعالجة أوضاع الاحياء العشوائية وتوجيه الدوائر البلدية في تدقيق معاملات تغيير جنس الأرض ومساءلة المتعاملين في سوق العقارات من أين لك هذا، وتنشيط التحاسب الضريبي وخاصة العقارات العملاقة المثيرة للريبة، وبدون ذلك فإن أزمة اقتصادية خانقة سوف تواجه الدولة وتلقي بظلالها على الطبقات الفقيرة وذوي الدخل المحدود.

عرض مقالات: