اخر الاخبار

المشهد /1

دخل الجمهور عراة من كل حدب وصوب الى خشبة مسرح الحياة، الواقعة بمحاذاة حافات المياه الآسنة... لمشاهدة أغرب عرض مسرحي خرافي، كتب نصه مخرج مسرحي مجنون، حينما ستروا عوراتهم، وتكاثروا فحاروا كيف يمكن السيطرة على هذا القطيع المتنامي عددا وعدة.

في أعلى خشبةِ المسرحِ ظِلٌّ لا يُشبهُ ظِلَّنا، ظِلٌّ باهتاً بلا لونٍ ولا طعمٍ ولاحِسٍّ ولا نَفَسٍ… ظِلٌّ  كطيفِ الفزّاعةِ …

بعد أن دبَّ الظلامُ وتصاعدَ سوادُ الدخانِ مُزِّقتْ ستارةُ المسرح وغزتْ عاصفةٌ ترابيةٌ أجواءَ المسرحِ من دون استئذانٍ فرسمتْ بعصاها المُلتويةِ ذاتِ النتوءاتِ الزّؤانيةِ ظِلَّ وحشٍ خُرافيٍّ (لا يُرى بالعينِ المجرّدةِ ولا بالرادارِ ولا بالميكروسكوب) زاعِمَةً أنّه يرى ما لا نراهُ ويفعلُ ما لا نفعلُ ويُرسلُ تعويذاتِهِ بما لا نستطيعُ تكذيبَه، ويُعشّشُ في أمْخاخِنا فلا تكشفه الأشعةُ السينيةُ ولا الصاديةُ أو الجيميةُ… يُبيدُ ما يشاءُ ومتى يشاءُ ويمشي بيننا كسُكونِ الليلِ أو كالهواءِ… نستنشقُه مضطرّينَ فنجدُ فيه رائحَةَ المستنقعاتِ… له ملياراتُ العيونِ مبثوثةً كأجهزةِ التصويرِ في شوارعِ الكونِ، في كلِّ بيتٍ وحتّى في المَرافقِ الصحّيةِ… هو معنا في الصبحِ والعشيةِ، في النهار والليلِ وحتّى في السريرِ ولا ندري ما شكلُهُ أو لونُه، ما حجمُه أو جنسُه… فحذارِ من تجاوُزِ الإشاراتِ الحمراءِ!

قالت أمٌّ، غزَتْها تجاعيدُ الزمن، : لا تنظروا إلى أعلى خشبةِ المسرحِ فقد تُشنقُونَ وأنتم تمشُون أو تأكلون، وأنتم نائمون أوتتضاجعون”.

فصرخ صوتٌ بوجهها: مَن هذا الذي يرانا ولا نراه.. مَن؟… مَن هذا الذي نذكرُه إذ نقومُ أو نقعُ، إذ نقف ُأو نجلس؟ مَن هذا الذي صار كاللّسانِ في الفمِ وعلينا أن ننتبِهَ إلى حركته عندما نأكلُ أو ننامُ … مَنْ هذا الذي ملأ الدنيا و شغَلَ الناسَ...؟.

ركعت الأمُّ وسط المسرحِ ورفعتْ كلتا يديها إلى صورةٍ في أعلى جدارِ المسرحِ الخلفيِّ من رسمِ الإيطاليِّ (ليوناردو دا فينتشي) ومازالت راكعةً… لكن دون جدوى، منذ ولادتها  إلى أن طواها القبرُ وهي تركع  لكن… دون جدوى.

المشهد 2

سرى الرعبُ في أغلب المشاهدين فهرعوا نحو الأبوابِ يطلبون الخروجَ فأغلِقَتْ دونهم  فعادوا راكعين أمامَ الوحش الخياليِّ  متذللّينَ … أشعلوا الشموعَ وقدّموا النذورَ… و قامت عاصفةٌ صفراءُ… السحرُ الأسودُ عشّشَ في الرؤوسِ وأكلَ نخاعَ العمودِ الفِقَريِّ فبقيَت الرؤوسُ محشوّةً بروْثِ البقرِ…

 أين العيبُ يا تُرى؟ في الوحشِ الخياليِّ أم فينا نحن، المشاهدون، الكائناتُ الحيّةُ؟ فكلُّ الرؤوسِ المحشوّةِ بالروْثِ هي التي خلقت لنا الوحشَ الخياليَّ…

هل رأيتم هذا الوحشَ (الخر آفه) الذي لا صفةَ له سوى أنّه مُرْعبٌ و مُخيفُ؟

وهل للْمُخرِجِ أن يضعَ، على خشبةِ المسرحِ، نهايةً لوحشٍ لا لونَ له ولا طعمَ ولا رائحة !

 لا أظنّ أنّه يستطيعُ إنهاءَ هذه المسرحيةِ بإسدالِ الستارِعلى هذا الوحشِ المصنَّعِ في معملِ الخرَ افة لأنّ نهايةَ المُخرِجِ ستكون دفنَه حيًّا  و كذلك نهايةُ كاتبِ هذا النصِّ (العبثي).

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

*(الخرافه) هي الاعتقاد أو الفكرة القائمة على مجرد تخيلات من دون وجود سبب عقلي أو منطقي مبني على العلم والمعرفة. وترتبط الخرافات بفلكلور الشعوب، حيث أن الخرافة عادة ما تمثل إرثًا تاريخيًا تتناقله الأجيال. وهو معتقد لا عقلاني أو ممارسة لا عقلانية.

عرض مقالات: