اخر الاخبار

يشير رولان بارت في مقالته الموسومة “المثقف، الكاتب، والاستاذ” بان لغة الكلام غير لغة الكتابة، فالأولى مرتحلة / مُسافرة، متكلمة ناطقة، أما الثانية فـ ثابتة / مُقيمة، صامتة مكتوبة.

فاللغة هي نسق من الاشارات والرموز، تشكل أداة من ادوات المعرفة، وتعد اللغة من أهم وسائل التفاهم والاحتكاك بين افراد المجتمع في جميع ميادين الحياة.

وعليه تكون هنالك علاقة تداخلية عميقة بين التعليم والكلام، لأن التعليم بالأساس يعتمد على الكلام (= المنطق)، الذي يعتمد على الشفاهية المنطوقة، والذي يشتغل خارج الكتابة، لذا يتموقع الاستاذ / المعلم في جهة الكلام، أما الكاتب فيتموقع في جهة الكتابة، وفي وسطهما  يُضع المثقف الذي يطبع كلامه وينشره، وهو الذي باستطاعته التنقل ما بين الكلام والكتابة، هذا يبين بأن ليس هنالك تعارض بين لغة الاستاذ ولغة المثقف، بل انهما قد يتواجدان غالباً عند الفرد نفسه، أما الكاتب فهو: وحيد، معزول. لذا حينما تبدأ الكتابة يكون الكلام عنيداً لا امكان لتحمله. ففي كتابه “درجة الصفر للكتابة” ميز بارت بين اللغة – استعمال لسان معطى – وبين الكتابة، فالكتابة عنده تاريخاً سوسيولوجياً، حينما اسقط مفهوم الطبقة الاجتماعية عليها، ولكن بارت يوضح أن الكتابة والكلام افقيان، يقعان ضمن نشاط معرفي جماعي، باعتبار الكتابة حرية، لأنها تؤسس لعلاقة بين الابداع والمجتمع، وكذلك هي لحظة تاريخية، كونها لحظة من بين اوضح لحظات التاريخ مادام التاريخ هو دائماً اختيار قبل كل شيء.

بينما نرى في قراءة جاك دريدا لـ جان جاك روسو، حين يشرح بشكل عميق ومسهب العلاقة القائمة بين الكتابة والكلام، حيث يقول ان الكتابة بالنسبة لروسو “ليست سوى تمثيل للكلام”.

ومن جراء ذلك، فالكلام غير قابل للمحو والمسح، ولكنه سريع الزوال، وهذا ما قد ذهبواّ اليه اخوان الصفا حينما قالوا “أن القوة الناطقة تتناول تلك الرسوم المحفوظة وتعبر عنها عند البيان للقوة السامعة من الحاضرين في الوقت، ولما كانت الاصوات لا تمكث في الهواء الا ريثما تأخذ الاسماع حظها ثم تضمحل”، بينما الكتابة قابلة للمحو والمسح والخدش، أما مفهوم الخدش عند بارت فيكون مختلفاً تماماً عن المعنى العام، فهو يعني عنده “الذي تخلفه آثار ممارسة هي ممارسة الكتابة. واقصد أساساً النص. واعني نسيج الدلائل والعلامات التي تشكل العمل الأدبي”، ولكنها -أي الكتابة - لا تقبل الزوال، كما يؤكد بارت بان الكلام يتحمل الاضافة والزيادة.

فهو “أي الكلام” الذي يتحكم في اللاوعي، فالحلم يقع ضمن الكلام وليس ضمن الكتابة، لان ارتباط التحليل النفسي بالكلام وليس الكتابة.

وبما أن كل كلام هو في خدمة القانون والسلطة، على حد قول بارت: “يطلب من كلام الاستاذ والمعلم: الوضوح والسلطة، أي التكلم على وفق ما يمليه القانون وما تفرضه السلطة التي ينطوي عليها أي الكلام”، أي بمعنى آخر، أن اللغة هي دوماً سلطة وقوة، والكلام معناه ممارسة ارادة قوة.

عليه ان اللغة، ما إن ينطق بها، حتى وإن ظلت مجرد همهمة، فهي تصبح في خدمة سلطة بعينها “، لذا لم يبق للكاتب الا أن يلجأ الى الكتابة قصد مراوغة اللغة و“خيانتها”، لأنها سوف تسمح له ادراك اللغة خارج سلطتها، والقدرة على التحرر من خلخلة للغة الادبية.

عرض مقالات: