اخر الاخبار

يُعد كتاب (غابة آدم) للكاتبة شيماء عقيل هادي،والصادر عن دار أمارجي للطباعة والنشر ٢٠٢٢، من النصوص السردية الوسطية التي تقع ضمن اطار الجنس السردي، فهي تصنف بـ (النوفيلا novella) والتي وصفتها الناقدة الامريكية جوديت لايبوفيتز في كتابها (السرد وغايته في النوفيلا) (تعد النوفيلا  novella شكلاً ادبياً مختلفاً يتماثل عرضاً مع الرواية القصيرة،ففي الوقت الذي تقوم فيه القصة القصيرة بتضييق المادة وتقوم الرواية بتوسيعها، تقوم النوفيلا بالدورين معاً وبطريقة تؤدي إلى نوع مخصوص في البنية السردية،أي انه ينتج اثراً مميزاً من الوجهة السردية، اثراً مزدوجاً يجمع بين التكثيف والتوسيع)، صنف الناقد الدكتور محمد الشحات النوفيلا novella عند تقسيمه لأنواع النصوص السردية التابعة للجنس السردي، فقد انطوى الكتاب على ٧٨ صفحة أي اقرب ما يكون للقصة الطويلة او للرواية القصيرة ،  او تسمى بـ (المرويّة) التي أجتهد محمد الرحبي لاقتراح اسمها، بدلاً من (النوفيلا) للكاتب والمترجم، فيقول (المرويّة هي نوع أدبي يتموقع بين القصة والرواية، فإذا كانت القصة قد استقت مسمّاها من تراثنا العربي، بالنظر إلى مسار القصة والقصاصين، والرواية، بالنظر إلى الراوي وما يقول مع ترك عدد الكلمات مفتوحا، على ألا يقل عن ثلاثة آلاف كلمة، ولا يزيد عن عشرة آلاف، لأنّه من دون العدد الأول من الكلمات، سيقترب النص من البيت الصغير  للقصة، وإن زاد عن العدد الثاني سيجنح نحو بيت الرواية الواسع، بينما بيت (المرويّة) مكانه بين هذين البيتين، وهو جارٌ للنوعين، لأنه من جنسهما السّردي)، وقد وصف يوسف أبو لوز النوفيلا على انها ( فن جذوره واصوله ليست عربية كما هو شأن جذور واصول الرواية في شكلها السردي الحديث، وان كان من إضافة على تعريفات قراء النوفيلا من كتاب ونقاد، فيمكن القول انها لاتقع في اطار سردي معقد يعكس تعقيد شخصيات الروايات الكبيرة ففي العادة تتمحور حول شخصية واحدة هي محور هذه القصة الطويلة او الرواية القصيرة) … … ومن كل ماذكر أعلاه من جدال نجد إشكالية واضحة حول تصنيف السرود النصية الوسيطة (النوفيلا اوالمرويّة) وموقعها بين القصة بأنواعها والرواية، تمثلت هذه النوفيلا التشويق والإثارة بدءاً من عتبة العنوان (غابة آدم)، والتي كانت بمثابة احجية او لغز يصعب على القارئ حله او فهمه إلا بعد الولوج إلى أعماق السرد والتوغل به، تدور القصة حول شخص يدعى (آدم) وهو الشخصية المحورية التي تتمحور حولها كل الاحداث، اذ لا يستطيع القارئ ان لا يتتبعها عن كثب  او ان يصرف عنها اهتمامه، (لم تكن حياته مليئة بالأحداث والمغامرات وتكاد تخلو من المفاجآت بشقيها السعيدة والحزينة) … (اما عن علاقته بوالديه فكانت عادية للغاية، لم تكن بمشاعر عاطفية جارفة ولم تكن باردة ايضاً) … (لا يتمتع بأي ميزة تفرقه عن غيره ولم يكن المال والثروة والحظ من حلفاءه) كما جاء وصفه من قبل الكاتبة،و التي قدمته بالطريقة التقريرية (المباشرة) للقارئ خلال السرد، كما وصفها شريبط (هي الطريقة الأبسط في عرض الشخصية،تتركز على تصوير الملامح الخارجية الظاهرة للشخصية اولاً، ومن ثم يقوم بوصف مشاعرها واحاسيسها بأسلوب صريح، تتكشف فيه الشخصية وافكارها اعتماداً على حاجة القصة وموضوعها، وطبيعة الشخصية والهدف القصصي الذي رسمه القاص)، وعلى لسان الراوي العليم بكل شيء، كلي المعرفة وكلي الوجود، والذي هيمن صوته المتكلم (بضمير الغائب) على السرد من بداية القصة حتى نهايتها ، فالراوي العليم كما يصفه الدكتور محمد عزام (وهو يحول بين القراء والعالَم الروائي، فلا يجعلهم يرون إلا ما يريهم هو إياه، ولا يعلمون إلا ما يريدهم أن يعلموه، أما الشخصيات فتقوم بفعل الأحداث دون أن تعلم المصائر المجهولة التي تنتظرها، لأنها لا ترى إلا ما تقع عليه عيونها فقط، فهي مخلوقات محدودة العِلْم والخبرة، وأما الراوي فهو القوة الخارقة التي تُكشف أمامها الحجب)،و قد استخدمت الكاتبة زاوية الرؤية السردية (التبئير) من الداخل او من الخلف، وكما وصفه شجاع مسلم العاني (حيث يعرف الراوي كل شيءعن الشخصية فيختار بعداً من الابعاد الثلاثة داخلي لو خارجي او اجتماعي لكي يقدم الشخصية من خلالها وبحسب موضوع القصة وحاجة الشخصية كي تظهر بمظهرها المقنع الصحيح)، رغم إن آدم كان شخصاً عادياً وأقل من العادي ربما عندما يتعلق الأمر بالتحصيل الدراسي والعمل والسكن والزواج والحظ وكل ما يخص حياته الاجتماعية، إلا ان ماحدث معه لم يكن عادياً فقد عاش كابوساً وهو في عقر داره وبين اهله، وكل من حوله قد ساهم بطريقة او بأخرى للإيقاع به في شرك الجنون والهلوسة والمرض النفسي، فالبعض دفعهم جشعهم وحبهم للمال لتمثيل الدور مثل (سارة) زوجته،والبعض تم إيهامهم بأن مصلحة آدم تقتضي تركه والابتعاد عنه مثل (والديه)، لتمثيل مسرحية لاإنسانية تترأسها طبيبة نفسية،افعى بقناع طبيبة مهووسة بخلق مرضى نفسيين يليقون بتجاربها وخططها

القذرة وبمساعدة زميلين لها في معهد البحوث والدراسات النفسية على اختيار آدم كوسيلة لإجراء تجربة نفسية فريدة من نوعها بعد اخضاعه للتنويم المغناطيسي، واخذ كل الإجابات المطلوبة لاسئلتها الوعرة وفرض سيطرتها الكلية عليه، يمر آدم بسلسلة قاسية من التقلبات النفسية واخضاعه لمؤثرات عقلية ونفسية وضغوطات لاتحتمل وايهام مستمر ودس المسكنات في طعامه وتشويش الذهن  والمراقبة ،كل شيء دفعه للانهيار والاستسلام التام، لينتهي الامر به الى الانتحار وفشل الخطة وتحطيم طموحات الطبيبة بكلمات آدم التي خطها بدمه (كلكم مزيفون)، فهذا كان بمثابة دليل قطعي على ان كل محاولاتها بالايهام والايقاع به في الجنون باءت بالخذلان، ويخرج آدم من هذه الحياة بلا ثمن ولا أهمية ولاحقوق ولامستقبل،مجرد رقم ينتهمي لمصير مجهول،حاله حال الكثير من ضحايا الفقر والجوع والمرض والحاجة…من المثير للاهتمام ان الكاتبة استطاعت جذب انتباه القارئ من السطر الأول وتمكنت من ايهامه بنفس السلطه التي اوهمت بها آدم، فقد يظن لوهلة ان كل ما يمر بآدم من تحولات نفسية هي ضرب من ضروب الواقع، وتبقى على هذا الحال بسحب القارى للتوغل أكثر وأكثر الى داخل السرد ويلاحق الاحداث للامساك بخيط الحقيقة الذي تارة يظهر وتارة يتلاشى حتى اخر صفحة، باسترسال رشيق و اسلوب سلس ولغة تخلو من الاسهاب والحشو الزائد والثرثرة والابتعاد عن الشاعرية المفرطة وانتهجت الكثافة التعبيرية المبسطة… 

وكما ذكر كه يلان محمد (آلية السرد في النوفيلا تتصف بالرشاقة في الحركة،والخفة في العرض فأن مايتم التعويل عليه ليس الاسترسال في سرد التفاصيل،انما التمكن من جعل المادة السردية في بؤرة الحدث، كما ان الكثافة التعبيرية من الخصائص المميزة للغة النوفيلا،ولا يستخدم الحشو والاسهاب في وصف تركيبة النص)،عند التعمق في قصة آدم وما حصل معه من احداث وما واجهه من مؤمرة كبرى تستهدف حياته وراحة باله وحريته وابسط حقوقه التي باتت من المستحيل تحقيقها، نجد انفسنا امام ابعاد اجتماعية وسياسية كبيرة، فالتاريخ الإنساني مثقل بمثل هذه الوقائع والجرائم اللاإنسانية التي تستهدف الانسان ووعيه وادراكه وعقله المتفتح،فأكثر ما يخيف الدول وحكوماتها العتيدة هو شعب متفتح يستوعب حقوقه وينبذ العبودية بأي شكل من الاشكال، تستعرض الكاتبة في نهاية الكتاب مجموعة من الكتب مع نبذة مبسطة عنها، فهي بمثابة المرآة التي تعكس جوهر قصة آدم وما ارادت البوح به للقارئ من أفكار ومعلومات، مثل كتاب المؤلف جورج ويلز خبير العلوم السلوكية في سراديب علم النفس الخفية،و كتاب (كيف تصنع مريضاً نفسياً) وكتاب (مقالات في العبودية) للكاتب الفرنسي إيتان دولا بوسي، وعرض بعض الأمثلة من مختلف الثقافات ،وبعض المقولات لفلاسفة مثل نيتشه،وكتاب مثل نجيب محفوظ و دوستويفسكي تصب في مجرى هذا الموضوع والنكبات والمشاكل والضغوطات النفسية التي يختبرها البشر على مر العصور وتحت سلطة الحكومات والمجتمعات والحروب اللاانسانية فهذا ماتريده الدول العميقة،واخيراً تخاطب الكاتبة القارئ ببعض الكلمات التي تعلق في الذهن (انها بالفعل غابة بكل ماتحويه من وحوش مفترسة،ادم كان الفريسة،اصبح موته ثمناً لحرية روحه،وكي لاتجد نفسك في الفخ عليك ان :تفتح عينيك وتستمع لقلبك وتتبع احساسك…) ان اختيار اسم الشخصية والذي ثبت على عتبة العنوان (غابة آدم) يحمل قصدية نوعاً ما فآدم هو كل إنسان انسل من سلالة آدم على الأرض…

عرض مقالات: