اخر الاخبار

سعد جاسم المنفي الذي يعيش في ذاكرة المكان يستحضر روحه ليعود شبابها في الديوانية التي أنجبته، فيتذكر الجسر ودروب مدينته، التي يبني لنا صورة نقية عنها من وحي ذاكرته فيما قبل الغرب.

مدينته الديوانية عود ابدي نيتشوي يُعيد إنتاجه في قصيدته هذه ليتخلص من منفاه الثقيل لرغبة عنده في العودة لحياة سكنتها روحه في الذاكرة التي بناها في القصيدة لتحضر منسابة مع نهر الفرات وعذوبته التي أنتجتها ذاكرته، وكأنه يصدم غُربته الموحشة..

سعد جاسم يرسم صورة المنفى وحنين العاشقين للدورب والأمكنة في مسقط الرأس، وكأنه ابن المكان الأول ولا زال حنينه وذاكرة الهجرة التي ظل يبحث فيها عن زمان مرتبط بالمكان على وفق تصور الارسطيين بان الزمان مكان تعده الحركة، ولأن الغربة سكون فلا مكان ولا زمان في الغربة، إنما هو بحث عن وصال

يبحث عن أخوة خارج المنفى، أخوة ذاكرة تحتفظ بعبق المكان وكينونة الوجود. بحث عن وصال يُعيد الحضور للزمكان بكل حيثياته، وكل حيثياته تشي أن هناك مواطنًا كان مُهاجرًا فغاب عنه حساب الوجود في الزمان والمكان، فغيب نفسه لعله يجد في منفاه ما يتماها معه، ولكنه لا زال أسير تحديات الغربة والاغتراب، لأنه يعيش لأجل الوجد والوجدان الذي عمل على أن يكتشف بعض مراميه في بلاد الثلج، ولكنه بعد أن تجلى وعيه وبزغ نجم شمس الحياة والمعرفة عنده تكشفت له عوالم الوجود وانجلت لتُعيده للأم الجنوبية (المكان الأصل) نسقط الرأس التي كانت تنشج الحزن وتُخيط بأشعة القمر حزن الجنوب ونشيد الأمهات اللواتي كانن يتأملن عودة أولادهن:

فمنهم:

من هاجر وآخر فُقد في حروب نظام دموي، وثالث أستشهد في حروب لا عدالة فيها، ورابع وخامس ضاع وضيعتهم أيديولوجيات غبية.

سعد جاسم الذي يكتب بلغة أهل العراق اليائس من عودته لعوالم النقاء بعد فقد الأحباب الأب والعم والخال، والأم التي تبدو في قصيدته هذه وكأنه قصيدة السياب التي يُذكرنا فيها بالربط بين الام والعراق:

الشمس أجمل في بلادي

من سواها والظلام

حتى الظلام هناك أجمل

فهو يختضن العراق

سعد جاسم الذي يأمل بأن يعود من منفاه يومًا قد لا يجد (الديوانية) بمثل ما تصورها، وهو مُحق فقد شاخت المدن في عراقنا المعاصر بعد أن تمكن منها القادة (الطارئون)، فهم (نُزل) ولا علاقة لهم بالمكان لأنهم رُحل ولاهم جمالي عندهم ولا ولن تجدهم ينظرون للجسور في الديوانية العتيقة على انها وصل بين قرية ومدينة وذاكرة مدينة في سوقها العتيق وحنين النهر لتقبل الجسر في نقل الحياة بين ضفتين كلاهما توق وشوق وبناء وعمران..

يرسم سعد جاسم ذاكرة المدينة الأخاذة بين ضفتي الفرات ليجعل من شعره جسرًا يُعيد إنتاج نبض الحياة في القرية والمدينة وتعالق الضفتين: ضفة القرية وحنين البساتين فيها ونبض الأهل ولأعمام فيها!

وضفة الحداثة في المدينة وشغف أهلها في الترحيب بالناس الطيبين (أهل القرية القادمين للمدينة) بكل ما فيهم من براءة أهلها، وفي مقدمتهم شباباها الذين كانوا ينظرون لسحر بنات الضفتين والبراءة في كرخ الديوانية ورصافتها، ولكن سحر البنات كان سحر قرية لم تشيخ ومدينة ورد حدائقها يشي عن عطر طيبة أهلها..

عرض مقالات: