اخر الاخبار

وجد الفينيقيون بين النخلة/ التي عدّها الساميون بعامة شجرة الحياة في جنة عدن وبين إلهة الإخصاب الجنسي والتعشير عشتروت أو عشتار، فالنخلة كانت شجرة الميلاد أو شجرة العائلة عند كل شعوب غرب أسيا، في مصر وبابل وفينيقيا والجزيرة العربية، كما أن من اسمها جاءت تسمية فينيقيا أو فينيق أي الفينيقيين، بمعنى “ الدامي “ إذ أن شعوب البحر الأبيض المتوسط عامة ارتبطت وربطت بين عمليات إخصاب النخيل، أو ما يعرف بـ (الطلوع ) أو التلقيح التي يدونها لا تطرح النخلة أو تثمر، فهناك علاقة بين النخيل، وبين الموت ثم القيامة أو توالي الولادة والاستمرار. (1) وكانت النخلة هي شجرة عشتروت المقدسة، فمن ثمرها أو ـ تمرها ـ تسمت عشترون، كما أن من اسم ثمرها جاء اسم الإله “ دامور “ أو “ تامور “ أو تامير “ أي التمر، ووجدت أثار هذا الإله في جزر البحر الأبيض المتوسط التي استعمرها الفينيقيون، فكان يصك على النقود في شكل أو شعار نخلة وافرة الثمار. فلقد سم اليونان فينيقيا والشرق الأدنى القديم عامة، ببلاد النخيل، كما أن من اسم النخلة تسمت مدن “ تدمر “ في كل من الشام واليمن والحجاز، كذلك فقد عبد العرب نخلة نجران، وكانوا يزينونها بأزياء نسائية، كما يقول جريفز ودخلت النخلة في الميثولوجيا الإغريقية، فكل من الإلهة، ابولو، ونبتون، ودلين، ولدوا تحت نخلة، وكذلك المسيح في الأسطورة السامية. (2)

أن التواصل الثقافي والتبادل الحضاري واضح للغاية وله انعكاسي على الثقافة والدين الإغريقي. وللثقافة السورية واللبنانية تبدّيات لا تقبل الشك ومنها القيمة العالية للنخلة التي تميزت لدى الساميين، بأنها سيدة الأشجار، وتنوعت أساطيرها في مراحل عديدة، وبديانات وثنية وتوحيدية. من هنا حازت عليها الثقافة الإغريقية وكانت بؤرة في معنى حدوث ولادة ابولو وارتميس  تحت النخلة، وما أعطته للتوأمين من إمكانات وقدرات جعلتهما متميزين لان ارتميس  قامت بدور القابلة وتوليد أمها تحت النخلة.

وأضافت أساطير بعلبك، ذات الأصول المصرية، أن طائراً يسمى فينيق أو النخيل كان يحج الى هيلو بوليس أو بعلبك، فيموت بها ويعاود الحياة من جديد، وتداولت الأجيال كثيراً من المرويات والأساطير عن هذا الطائر جاوبها. انه مماثل للطائر المصري “ بينو “ وقال هيرودت بأنه يشبه طائر العنقاء وجعله الفينيقيون مماثلاً بطائرهم الفنكس وأشارت واحدة من المرويات التي أوردها القديس هيرونيم عن هذا الطائر الذي لقبه الفينيقيون باسمهم “ فينق “ أن هذا الطائر يعيش في الهند لمدة خمسين عاماً، ثم يجيء الى فينيقيا لجمع طبوب لبنان ويصنع منها عشاً، فيغطى كاهن معبد هيلو بوليس، هيكل الأسرار لحين احتراقه في طبوبه. ويبدو أن ثمة علاقة لا يلتفت إليها بالدرجة الكافية وهي العلاقة بين الاسم فينيق أبي الفينيقيين، وبين نباته أو شعاره المقدس أو طوطمه، الذي هو نخلة، وكذلك بين معتقدات الموت والفناء، ثم معاودة البعث والقيامة التي كان يمثل أطوارها ذلك الطائر المقدس، المسمى الفينيق، الذي أعطى اسمه لفينيقيا، أو المجمل الشعوب البحرية من لبنانيين وسوريين وفلسطينيين. (3)

لم يكن اعتباطاً اختيار السيدة العذراء مكاناتها تحت النخلة كذلك زوجة زيوس ليتو لان النخلة مانحه الظلال وحاملة للثمار، كما أنها الرمز الكافي الدال على “ الحياة والفناء، والمرأة في مخاضها تستعين بمساعدات لها على البقاء بالحياة وحتى لو تعرضت للفناء، فأن النخلة ستتكفل بمولودها. ويلاحظ بأن ولادات تحت النخلة متميزة جداً ومثال ذلك ابولو/ السيد المسيح/ بنوتن.

اهتم الفن العراقي القديم كثيراً بالنخلة، وكشفت أختام اسطوانية مركزية النخلة في الفكر العراقي وضاء ختم الخطيئة وكانت النخلة هي الشجرة المحرمة. والنخلة شجرة العراقيين والساميين وهي تجدد الحياة وانبعاثها (سواء نظرنا الى الشجرة من حيث هي كائن واقعي أوفى حيث هي رز حي... أنها شجرة عشتروت المقدسة. كما هي رمز الشباب ونسغ الحياة الذي لا ينضب معينها... وتشترك جميع أساطير الشجر والبنات في أنها من أصل سماوي، هو النموذج الأول الذي أخذت منه... فالأشجار والبنات قد وجدت في زمن البدايات المقدسة. (4)

وفي الأسطورة السومرية المعروفة “ قصاص بستاني انكي الذي اغتصب أنانا “ وفيها توجه انكي الى غراب يقوم بعمل بستاني، وكأنه رجل، طالباً منه أتباع طريقة زراعية تؤدي الى خلق شجرة النخيل، الشجرة المقدسة.

ــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1) شوقي عبد الحكيم/ موسوعة الفولكلور والأساطير العربية/ مكتبة مدبولي/ القاهرة/ ب. ت/ ص 665.

(2) ن. م/ ص 666.

(3) شوقي عبد الحكيم/ ن. م ص 666/ 667.

(4 ) د. محمد عجينة/ موسوعة أساطير العرب، عن الجاهلية ودلالاتها/ دار محمد علي للنشر+ دار الفرابي/ صفاقس/ بيروت/ 1994/ ص 274/ 275.

عرض مقالات: