اخر الاخبار

غلاف لبيت قديم وفوقه ظلال من اللون الأزرق، وفي خلفية الغلاف حديث يدور بين اثنين الأول مبهور بالظلال أو السقائف الزرقاء فوق بيوت مدينة العمادية والثاني أمسك بقلم القوبيا ورسم المشهد وجسده ببراعة وأهداه إياه..

تستهل الكاتبة روايتها قائلة: - “إذا لم يكن بوسعك المشاركة في التاريخ، فاكتب عنه.. وهذا ما فعلته!

“عندما يكون (المكان) هو البطل الحقيقي في الرواية”.

ثم ندخل إلى الفصل الأول حيث حلم رأته البطلة (سيلاف) بفقد أمها وشقيقها وبالفعل يتحقق الحلم لتظل هي ووالدها صامتين: - “فقد ابتعدنا عن الكلمات كي لا تدمي شفاهنا ومآقينا”.

“ أنظر إلى عينيه الخضراوين اللتين يفران منهما تعبيرًا لتراجيديا هاربة من مسرح كلاسيكي”.

تسترجع سيلاف أو سولاف - وتعني شلال باللغة الكردية- والتي يرجع اسمها إلى مصيف يواجه مدينة العمادية- فلاش باك بالصور العائلية والذكريات وتتذكر دفتر عاد بها والدها من كردستان يعود لوالده وهو مخطوط عن مدينة العمادية وبسبب هذا المخطوط دخلت بطلتنا قسم اللغة العربية بالجامعة ونجحت فيها بامتياز..

وبفقدها لوالدها تعود وحيدة فينصحها صديقها (ديفيد) بإعلام أهل والدها بخبر وفاته، ولكنها تلجأ إلى مذكرات جدها (أحمد) معلم اللغة العربية فتجده يطبق أنثربولوجيا فريدة عن مدينته.. تتذكر ضحكات والدها وقوله أنها درست العربية لتقرأ هذه المذكرات وتترجمها.. وعادت لنصيحة ديفيد محدثة عمها الأكبر إبراهيم الذي يظل هو وبقية الأهل على تواصل معها، يوجهون لها الدعوة بزيارة العمادية..وتقول عن ديفيد: - “مصيبتي هذه جعلته ينتقل من رتبة جندي صديق إلى جنرال حبيب”.

تسافر سيلاف إلى أهل والدها بإقليم كردستان، الإقليم الآمن.

تسافر وهي مترددة، وكما يقال لدينا في المثل “تقدم رجل وتأخر رجل”.. ولكنها حينما رأت دفء العائلة قالت في نفسها:

“كيف تركت كل هذا يا أبي، وجئت إلى مكان لا يحوي سوى صناديق الأسمنت؟!”.

ثم ندخل للفصل الثاني حيث مذكرات الجد التي تبدأ في عام ١٩٤٧ الذي قرر أن يكتب وكأنه آخر من سيروي عنها.. مخطوطة سيكتبها الجد أحمد وصديقيه عزرا اليهودي ومتى المسيحي..

تمكنت الأديبة أن تسرد المذكرات بصوت الجد تماما فها هو الجد يخط لنا حكاياته عن أماكن زارتها الحفيدة ورأتها بعينها في أول الرواية.. حيث للأديبة كلمات شاعرية ذات رنين موسيقي

“البشر يعيشون الحياة، والأدباء يكتبونها”.

وحينما طربت البطلة لسماع الأغاني الكردية على الرغم من عدم فهمها لها قالت:

“الموسيقى ليس لها وطن محدد كلغة العيون  لا تحتاج إلى ترجمة” أو “فالسعادة ليست طائرًا يطير في السماء وعلينا اصطياده.. السعادة طائر أليف يلتقط البذور في حديقة منازل دواخلنا”، أو حينما تتحدث عن جدول ماء قائلة:

“وتركت يدي في المياة الباردة تتصدى لأمواجه، وعلى أطرافه تبتسم أشجار التفاح عن ثغر أحمر قان”.

“الأشجار هي أول الضحايا في الخريف. يُخلعها كبرياؤها الأخضر..

“والجدة أقدم لجوء سياسي عرفه التاريخ. إذ نستجير بظهرها أوقات المحن”.

تعد الرواية حقًا انموذجًا لأدب الرحلات.. تجولنا مع الكاتبة في أرجاء العمادية فللمكان مع الأديبة اهتمام خاص وكانت كلما شاهدت مكانًا ما تتذكر مخطوطة جدها، فهي تصفه بكل تفاصيله من ألوان للجدران ولوحاتها لألوان الستائر والرسومات عليها حتى مكانة المرأة، الأطعمة الكردية، الملابس، طقوس الزواج، الموسيقى، الأغاني، أهل الفن، العادات والتقاليد، وغير ذلك من تفاصيل محببة تجعل القارىء يرى ما تكتبه ويبحث في جوجل عن المدينة وآثارها وكما تقول الأديبة: “متحف مجاني لا يحده حد ولا يغلق بمفتاح”.

فهمت بالقراءة أن تلك المذكرات حقيقية قامت هي بكتابتها.. فهل العمل هكذا يعد سيرة ذاتية للجد والحفيدة..

ولماذا هذا الجزء من المذكرات -خاصة جزء الجد- صبغ العمل بصبغة تأريخية جغرافية وليست روائية تاريخية؟! بعد أن نوهت الأديبة إلى نقطة هامة في روايتها على لسان جودت عم سيلاف: وهو أهمية دراسة التراث الكردي ثقافة وعلمًا.. كما أنها نوهت بأن مخطوطة الجد كتبت بثلاثة أصوات، فالمدينة كان يجمعها الأديان الثلاثة حتى خرج منها اليهود في منتصف القرن الماضي..

حيث خرج أحد أضلاع المثلث: عزرا دون وداع لصديقيه زاعمًا أنه ذاهب لبغداد لنشر كتابه الأول قائلًا: “الوداع.. جبل الجليد هذه.. كم تحطمت عليها سفن”!

ـــــــــــــــــــــــــــ

*كاتبة من مصر

عرض مقالات: