اخر الاخبار

وجدت أقدم كتابة صورية تعود لأول مرحلة من مراحل تطور الكتابة في موقع “ حبوبة الكبيرة “ بسورية جنوبي “ تل قناص “ على الضفة الغربية لنهر الفرات وهي تحمل أشارات أرقام . وهذه تعود الى النصف الثاني من الألف الرابع قبل الميلاد . والواقع أن العلماء يتفقون على انه لا يعلم بوجه التأكيد من الذي اخترع الكتابة المسمارية ، أهم السومريون أم آخرون سبقوهم في استيطان السهل الرسوبي من غير السومريين . وهناك من يرجح أن أهل حضارة العبيد الذين سبقوا السومريين هم الذين اوجدوا الخط المسماري / احمد سوسة / ص 532.

إذا افترضنا أن الوركاء سومرية الهوية، فلا نعلم بالتأكيد من الذي سبق الأخر في وضع الألواح الصورية التي تمثل الخط المسماري. أهم أهل كيش الساميون ؟ أم أهل الوركاء السومريون ؟ إذا سلمنا جدلاً بأنهم سومريون حقاً. هذا مع العلم أكثر الباحثين يذهبون الى أن لوح كيش الحجري هو أقدم من لوح الوركاء. والسبب موضوعي ومقنع، لان الكتابة الصورية التي وجدت في كيش السامية وليس من سومر، لان هذه الكتابة لم تكن مكتوبة على الطين، كما كانت عليه الرقم السومرية التي اكتشفت بعد  ذلك في أوروك ( الوركاء )، بل منقوشة على الحجر. لأن الساميين انحدروا من شمال الرافدين قد تعودوا النقش على الحجر المتوفر هناك مثلما قال العالم احمد سوسة. ولكن مقولة العالم الاثاري د. نائل حنون انفتحت اكثر حول هذا التباين “ هناك الحجر الذي استعمل حين توفره للكتابة. فقد اكتشفت فيه ألواح صغيرة تحمل الكتابة الصورية في الوركاء. ومن المعروف أن الأشوريين استعملوا الحجر على نطاق واسع في نقش كتاباتهم عليه. واستعملت المعادن في الكتابة. أيضا  إضافة الى استعمال الخشب ولكن لم تحفظ منه نماذج بسبب تعرضه للتحليل. د. نائل حنون / المعجم المسماري / معجم اللغات الاكدية والسومرية، والعربية / ج1 / بيت الحكمة / بغداد ص 21// هذا يعني بان الكتابة على الحجر تكن خاصة بكيش مثلما أشارت بعض المصادر السابقة، بل عرفته مدينة أوروك على نطاق ضيق واتسع توظيفه من قبل الأشوريين، لأنه المادة الأساسية المتوفرة هناك. وما يتفق عليه هو أن مدينة أوروك عرفت مرحلة الانتقال من الرموز / والصورية الى الكتابة، لوجود تسلسل طبقي واضح. وأشار د. نائل حنون الى أن أهل الوركاء اخترعوا الكتابة بعد تطويرهم لاستعمال الرموز وهو الدليل الذي لم يقدمه موقع اثري أخر خارج العراق.

أن الرمزية بنيت على سلسلة افتراضات ربطتها بابتكار الكتابة في أواخر الألف الرابع ق. م. ولم تبين على أساس تطور في موضوعها أو صلتها الى الكتابة. وهذا الابتكار العظيم غير مسار تاريخ البشرية. ونقل الحضارة الإنسانية الى أفاق جديدة حين صارت التجارب والخبرات تحفظ  وتبقى حتى بعد غياب أصحابها لتنتقل الى جيل جديد يضيف إليها ويطورها. ومع الكتابة لم تعد المعرفة محددة بموضع تولدها. وإنما هو الابتكار الذي يمثل عنواناً لتحول هو الأعظم في تاريخ البشرية بعد مرور سبعة ألاف عام على تحول العصر الحجري الحديث / د. نائل حنون / دراسات في علم الآثار واللغات / دمشق / 2011 / ص 24//

أن ابتكار الكتابة ثورة الفكر البشري، وألمحت الى أن هذا هو دون شك الإسهام الأهم والمؤسس لإسلافنا الرافدين القدماء، في حضارتنا نحن، بل وفي الحضارة بالمعنى الحصري. وأول كتابة معروفة في بلاد الرافدين، لم يتم بلورتها ـ كما يعتقد غالباً ـ بغرض أعطاء الفكر شكلاً مادياً وتثبيته باعتباره كذلك. وهذا ما ستحققه لاحقاً، بل كان الغرض بكل بساطة وتواضع باعتبارها وسيلة تساعد على التذكر وأداة ملحمة / جان بوتيرو / ميلاد الحضارة / ضمن كتاب الشرق القديم ونحن / ت : مجموعة مؤلفين / دار المدى / دمشق / 2007 / ص 40//

وقد أشار الأستاذ طه باقر في مقدمته عن تاريخ العراق القديم : أن الخط المسماري المقترن بالسومريين قد ظهر لأول مرة على شكل صوري بسيط أي أن الصورة تمثيل لما يراد التعبير عنه واصطلح العلماء عليه “ العصر الشبيه الكتابي “ وهي الفترة التي نشأت فيها الكتابة المسمارية ثم تطورت حتى تكافلت والفترة المحددة لذلك هي 3500 و 2800 قبل الميلاد. ويبدو ومن هذا الرأي بان الكتابة بدأت صورية وانتقلت من العراق الى مصر وعرفت هناك بالهيروغرافيا قال البرتو مانغويل  في كتابة الموسوعي تاريخ القراءة الى أن اختراع سكان بلاد الرافدين الكتابة قد اثر دون شك على نظم الكتابة الأخرى في العالم : الكتابة المصرية بعد 3000 ق. م بفترة قصيرة والهندية بعد 2500 ق. م.

الرسم والحفر / النقش هي الوسيلة الأولى في اختراع الكتابة، وتقدمت في دور جمدت نصر، وهو أخر عصر من العصور الحجرية، فانتقل من طور الصور الى رموز وعلامات كما قال د. سامي سعيد الأحمد. وذكر ديو رانت في ج2 من قصة الحضارة ص 444 الى أن الكتابة التصورية قد ساعدت على ابتكار فن النقش والنحت على الأختام الاسطوانية فأضافت كثيراً الى فائدة الرسائل المكتوبة بتثبيت أصالتها وصحتها..... وتطورت هذه الأختام فصارت تنقش وتنحت عليها مختلف النقوش وأكثرها يتعلق بأعمال الإلهة والطقوس الدينية التي ينبغي أتباعها عند العبادة وعند تقديم القرابين.

كانت أشكال العلامات التصويرية المبكرة واضحة المعالم غالباً ويمكن معرفة الشيء المادي الذي يعبر عنه، وقد تمثل العلامة رسماً للشيء المادي بكامله، كالعلامات التي استخدمت للدلالة على السمكة والمحراث والسفينة وغيرها، وقد تمثل العلامة جزءاً من الشيء المراد التعبير عنه فقط. مثل العلامات التي رأس ثور للدلالة على الثور / عامر عبد الله الجميلي / الكاتب في بلاد الرافدين القديمة / منشورات اتحاد الكتاب العرب / 2005 / ص 20//

قال د. نائل حنون في “ المعجم المسماري “ ج1 : لم يقتصر الخط المسماري على اللغتين السومرية والاكدية، وإنما انتشر في العالم القديم ليستعمل في تدوين لغات أخرى. وبالطبع كانت عملية اقتباس الخط للغة الجديدة يعني أجراء تحويرات وتعديلات على الخط وعلى اللغة نفسها. ومن التحويرات الداخلة على اللغة الاكدية تغير اتجاه الكتابة لتكون من اليمين الى اليسار مثل باقي اللغات الجزرية ومنها العربية. وبالإمكان الاعتماد وعلى التاريخية الخاصة بالكتابة المسمارية في الزمان والمكان حيث أكد  د. نائل حنون بأنها ابتدأت عام 3300 ق. م وهي نصوص الوركاء ودور جمدة  نصر ونصوص تل براك في سوريا. وكنا قد ذكرنا هذه الملاحظة في بداية هذا الرأي واستمرت المسمارية حاضرة في الاستعمال من التاريخ الأول حتى عام 275 وهي أخر ما يشير الى النصوص البابلية. واستولد هذا التسلسل الزمني والمكاني لاستعمالات الخط المسماري، جعل العالم الاثاري د. نائل حنون لافتراض رأي منطقي، يثير الانتباه لمن سيأتي لاحقاً لقراءة هذه التجربة الرائدة التي عرفها العراق القديم  وأشار الى ما تعنيه أثارة انتباه القارئ ودفعه الى توقع وجود محاولات للتعرف على النصوص القديمة وحل رموزها في العراق قبل بدء محاولات الأوربيين، فنحن لا نستطيع أن نغفل دور الحضارة العربية الإسلامية في معالجة شتى فروع العلم ومنها كتابات الأولين. وليس من المعقول أن يكون عطاء حضاري عملاق مثل الذي اقترن بالعصر العباسي قد خلا من شيء عن الكتابات المسمارية، ولم يكن يصل إلينا منه بفعل بربرية التدمير الذي تعرضت له بغداد وقاد الى فترات الاحتلال الأجنبية ولم يبق أمامنا اليوم سوى التوقع. أن ما شجعني على أبداء هذا الرأي هو اطلاعي ذات يوم على مخطوطة عربية في بغداد تتضمن محاولات لقراءة الكتابة المسمارية ويمكن أن تكون جزءاً من محاولات أقدم. هذا رأي مهم للغاية، بحاجة للمهتمين بمجال اختراع الكتابة في العراق القديم التحاور مع د. نائل حنون، الذي قدم ما يشبه التحقق، لأنه اطلع على مخطوطة وما دام هذا الرأي قد استند على وجود مخطوطة، فحتماً لن تكون واحدة في مدينة مثل بغداد، ونحن بحاجة لملاحظات الأكثر تخصصاً في تاريخ اللغة، وجهود العلماء في العصر العباسي، هل غامروا في دخول هذه التجربة أو لا ؟

واختم هذا الرأي الأولي برأي لبرتو ما نغويل الذي قال : أن الأحرف هي علامات الأصوات، وهذه بالتالي علامات الأشياء التي نفكر بها. أن النص المكتوب عبارة عن محاورة  تجري على الورق لتمكين الطرف الأخر من النطق بكلمات معينة. بالنسبة الى اوغسطين كانت الكلمة المحكية جزءاً صعب التأويل والتفسير لا يتجزأ من النص نفسه. منذ عصر ألواح الصلصال كانت الكلمات قد كتبت لتقرأ بصوت عال : كل علامة من علامات الكتابة كانت تحتوي في داخلها على نغم معين ـ مثل الروح / البرتو ما نغويل / تاريخ القراءة / الساقي / بيروت / 2003 / ص 58//

عرض مقالات: